ويعتقد الخبير الألماني آدم سيمنسكي بأن الدولار قد ينخفض إلى ما بعد (1.60) مقابل اليورو. بينما يعارض البعض هذا الاستنتاج ومن بينهم «مارتن وولف» وإن كان لا يعارض من حيث المبدأ «البحث عن بدائل عن النظام النقدي الحالي» لأن «دور الدولار الأميركي العالمي ليس من مصلحة الولايات المتحدة، فهو يقوض الاستقرار المالي الأميركي والعالمي معاً».
وبمعزل عن توقعات الخبراء المتضاربة على المدى القريب ولكن المتفقة على المدى البعيد بأن الدولار لن يحافظ على تربعه على عرش العملات الصعبة الذي تكرس بعد الحرب العالمية الثانية، فإن قوة أي عملة وطنية ذات استخدام دولي يتحكم بها عاملان أساسيان:
* العامل الأول، واقع إجمالي الناتج المحلي إن لجهة حجمه في إجمالي الناتج العالمي، أو لجهة تعاظم هذا الإنتاج أو تراجعه, فالعملة الوطنية هي معادل عام لهذا الإنتاج وتتأثر سلباً وإيجاباً به.
* العامل الثاني، مدى احتياج الاقتصاد العالمي لاستخدام عملة ما لتغطية عمليات الدفع في المبادلات التجارية والادخار.
استناداً إلى هذين العاملين المعياريين من الطبيعي أن تتراجع أسعار الدولار وذلك للأسباب التالية:
أولاً، تراجع حجم الناتج الإجمالي الأميركي، وتراجع حصة الناتج الأميركي من إجمالي الناتج العالمي، فبعد أن كان اقتصاد الولايات المتحدة في عقدي الخمسينات والستينات يمثل حوالي (60%) من إجمالي الناتج العالمي، أصبح الاقتصاد الأميركي الآن يمثل أقل من (20%) من إجمالي الناتج العالمي، وبديهي أن يؤدي ذلك إلى انعكاسات سلبية على مكانة الدولار وقوته إزاء العملات الأخرى.
ثانياً، تراجع إجمالي الناتج على المستوى الأميركي لاسيما بعد الأزمة الاقتصادية الأخيرة, إذ انكمش هذا الناتج بنسبة تتراوح بين (2و4%) ولا بد أن يكون لذلك انعكاسات على قوة الدولار وعلى أسعاره, وبديهي أن الانعكاس سلبي.
ثالثاً, كثير من الدول بدأت تتحول عن الدولار أو تستعد للتخلي عنه في تكوينها للاحتياط النقدي من العملات الصعبة, وغالبية الدول بدأت تنوع احتياطها من العملات, وأصبح الدولار واحداً من هذه العملات وليس وسيلة الادخار الرئيسية, وهذا أضعف الطلب عليه وأثر على سعره.
رابعاً, ارتفعت حصة دول عديدة من إجمالي الناتج العالمي, كما ارتفعت حصتها في التجارة الدولية, وباتت دول كثيرة بحاجة لاقتناء سلة عملات لتغطية تجارتها مع شركائها الجدد, وفي مقدمة هؤلاء الصين والاتحاد الأوروبي واليابان, ولهذا فإن غالبية دول العالم بدأت تكون رصيدها من احتياط العملات الصعبة, من عملات هذه الدول, وهذا أثر سلباً على الدولار الأميركي.
خامساً، باتت عملات مثل اليورو تمثل ملاذاً آمناً للادخار، وتميل دول عديدة إلى الادخار باليورو، لأن ذلك ينعكس إيجاباً على احتياطاتها بفعل ارتفاع أسعار اليورو، ويسهل عليها تغطية تجارتها مع أوروبا من دون خسائر، كما أنها تستطيع أن تغطي تجارتها مع الولايات المتحدة بأرباح أفضل إذا كان ادخارها الأساسي باليورو.
أدت هذه التحولات إلى خلاصتين هامتين:
* الخلاصة الأولى، تراجع أسعار الدولار منذ النصف الثاني من عقد السبعينات، حيث لم يتمكن الازدهار الذي شهده الاقتصاد لأميركي في عقد التسعينات من وقف هذا الانحدار والتراجع.
* الخلاصة الثانية، أن الدولار سوف يتراجع أكثر في المستقبل لأن العامود البياني لقوة الاقتصاد الأميركي بانحدار كبير، ولاسيما في ظل نهوض منافسين اقتصاديين أكثر فعالية مثل الصين والاتحاد الأوروبي واليابان.