على التذكير بأهمية هذه المشاريع، تعود إلى تراجع هذه الصناعات وانحسارها نسبيا في بلدنا خلال السنوات الأخيرة، وعلى وجه التحديد في أعقاب الأزمة الحالية التي ترمي بظلالها على مجمل الاقتصاد الوطني..والسؤال الجوهري: أين هي أبرز الأسباب التي أدت إلى هذا التراجع.. وكيف يمكن وضع هذه الصناعات على السكة الصحيحة ؟!
الإجابة على هذا السؤال يفترض أن تبدأ أولا من الحديث عن الدور المنوط بالهيئة العامة للتشغيل، فهذه الأخيرة يفترض أنه ومن أبرز مهامها الأساسية، التشجيع ما أمكن على إحداث المشاريع الصغيرة ورعايتها من خلال تقديم ما يلزم من تمويل مالي وتنظيم دورات تدريبية للعمال كل حسب اختصاصه والقدرات والكفاءات التي يتميز بها، واليوم لو سألنا حول التمويل المالي لوجدنا أنه قد توقف بسبب القرار الذي يقضي بوقف منح القروض من كافة المصارف العامة سواء لأصحاب المشاريع الصغيرة أو حتى للأشخاص العاديين، والمشكلة في هذا الجانب لا تتعلق حصرا في الشهور الأخيرة التي أعقبت اندلاع الأحداث الاستثنائية الداخلية، وإنما تعود إلى عقود بسبب الشروط التعجيزية التي تضعها المصارف العامة والخاصة للحصول على ما يلزم من قروض، فالأمر المعروف والمألوف، بأن من يرغب في الحصول على أي قرض كان، سوف يدخل في متاهة لها أول وليس لها آخر بسبب غياب فرص تأمين الضمانات اللازمة، وأساسا لو كان أصحاب المشاريع الصغيرة يملكون أموالا لإحداث مشاريعهم لامتنعوا عن التقدم بطلبات القروض تحسبا من الوقوع في مصيدة الفوائد التي يتعين تسديدها على مدار سنوات طويلة، ما يترتب عن ذلك تسديد فوائد مركبة قد تتجاوز في كثير من الحالات القيمة الأساسية للقروض التي حصلوا عليها.
حين تم إحداث الهيئة العامة للتشغيل وتنمية المشروعات والتي هي عبارة عن بديل أو نسخة معدلة عن الهيئة العامة لمكافحة البطالة، كان يفترض بالقائمين عليها, العمل ومن خلال مرسوم إحداثها السعي من أجل منح أصحاب المشاريع الصغيرة بعض المزايا والتسهيلات المصرفية التي من شأنها جعل المصارف العامة والخاصة تقديم القروض بشيء من الأريحية بحيث تكون الضمانات الأساسية على مسؤولية الهيئة نفسها، أو على أقل تقدير، يمكن لصاحب المشروع أن يتحمل جانبا من الجوانب، بحيث تتاح الفرصة للحصول على القرض دون تعقيدات، طبعا قد لا تكون الهيئة على استعداد لمنح الضمانات من خلالها لأسباب كثيرة أبرزها، أن غالبية المصارف العامة والخاصة لم تضع في أنظمتها المصرفية وقوانينها مزايا تشجيعية تخص المشاريع الصغيرة حصرا، فهي تتعامل مع الجميع بالية واحدة، بمعنى أدق، ليس هناك تفريق أو تمييز بين أن يكون القرض الممنوح لكبار التجار والصناعيين أو لأصحاب المشروعات الصغيرة، وبالتالي ليس هناك ما تقدمه الهيئة من مساعدة سوى النصح والمشورة.
فيما لو كانت هناك نيات جادة للنهوض بعمل الهيئة العامة للتشغيل، فهي مطالبة والى جانب مهامها الحالية، بالعمل على إنعاش الحديث وتبادل المشورة مع الحكومة الجديدة من أجل إحداث صندوق مالي يخص الهيئة وعلى أن يمول بمبالغ محددة من أجل منح القروض، وبالمناسبة الصندوق الذي نتحدث عنه ليس جديدا وكان على مدار سنوات يقوم بمهام منح القروض، وقد تم إصدار قرار بإلغائه بسبب التجاوزات والمحسوبيات في آليات المنح، ويمكن هذه المرة وفي ضوء عمليات الإصلاح الفعلية وليس النظرية، الاستفادة من دروس الماضي، بحيث لا يحصل على القرض سوى من يستحقه من الذين يرغبون بإحداث مشاريع صغيرة، وهذا الأمر ليس صعبا في حال وضع مجموعة من الشروط والإجراءات والقيود الصارمة التي تمنع التجاوزات، إذ يمكن تضمين الشروط، بعض العقوبات التي تصل إلى حد التضييق بالحبس وتسديد غرامات مالية كبيرة جدا في حال كان طالب القرض ليس من المحتاجين الفعليين للعمل، أو أنه حصل عليه فقط من باب الاستفادة من المزايا والتسهيلات لا أكثر.
marwandj@hotmail.com