حيث لا بيع ولا شراء، وإذا كان هناك من يشير إلى بعض الأمثلة التي تؤكد انخفاض أو ارتفاع الأسعار، فهي تبقى حالات استثنائية وضمن أحياء ومناطق محددة، وبنسب لا تزيد عن (15-20) بالمئة في أحسن الأحوال، وأما أسعار السوق التي كانت رائجة قبل الأزمة، فهي تقريباً ما زالت على حالها، وقضية الراغب في الشراء تلعب دوراً هاماً في تحديد الأسعار الفردية الاستثنائية وليس الأسعار السوقية الرائجة، لكن كل ما له علاقة بنشاط يجري الحديث عنه في السوق لا يندرج إلا ضمن الحالات الاستثنائية التي لا تذكر ولا يمكن أن تشكل مقياساً يمكن من خلالها إطلاق الأحكام لوصف الحالة العامة للسوق، وهذا الجمود غير العادي في البيع والشراء سيبقى يحكم السوق ما دام أن الأوضاع الأمنية غير مستقرة.
من بين الأسباب التي جعلت السوق تصل إلى هذا الانكماش بعد نشاط غير عادي في تشييد الشقق في الأحياء النظامية والمخالفة، أن الغالبية من الناس كانت ومنذ الأسابيع الأولى للأزمة قد توجهت إلى سوق العقارات بهدف الحفاظ على قيمة المدخرات المالية التي تملكها تحسباً من انخفاض قيمة الليرة مقابل العملات الصعبة وفي مقدمتها الدولار، وما نتحدث عنه في هذا الجانب ينحصر في الشقق السكنية التي حصلت على تراخيص نظامية من البلديات، وكان من الملاحظ أن البلديات أظهرت مرونة في السنوات الأخيرة بمنح التراخيص وخاصة المناطق والأحياء التي كان يجري العمل على تنظيمها بعد انقضاء عقود على غياب المخططات التنظيمية عنها، بهذا المعنى، فإن من يملك مبلغاً من المال تصرَّف به على مدار أكثر من عام ونصف سواء من خلال تشييد شقة سكنية أو شراء عقار تجاري أو مساحة بعينها من الأراضي أو حتى التوجه إلى سوق الذهب وتحويل ما يملك إلى مصكوكات وليرات ذهبية، كل هذه التفاصيل نأتي على ذكرها للقول، إن السيولة المالية التي كانت تشكل مدخرات للمواطنين لم تعد بأيديهم، وبالتالي من الطبيعي أن تكون السوق قد وصلت إلى نقطة الركود، أي من باع قد باع ومن يرغب بالشراء قد وجد ما يرغب بشرائه، ... وبغض النظر عن بعض الاجتهادات المخالفة لهذا الرأي، فان هذا الواقع قد يشكل مقدمة واعدة ليس من أجل انخفاض الأسعار ضمن حدود كبيرة وغير مألوفة، وإنما في إمكان تراجع ما شهدناه من واقع تضخمي ليس مقنعاً لا لجهة أسعار الأراضي ولا العقارات, ذلك إنه وفي معايير العلوم الاقتصادية القديمة والجديدة, فإن الحالة التضخمية السابقة ضارة جداً بالاقتصاد الوطني ولا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد في معاني الاستثمار والتنمية وإمكان تحقيق القيمة المضافة.
وما يشجع على التكهن أو التنبؤ في إمكان انخفاض الأسعار في السنوات القليلة القادمة، إنه وخلال نحو عام ونصف على الأزمة، كانت سوق العقارات المخالفة قد شهدت فورة غير مسبوقة من السكن المخالف نتيجة انشغال الحكومة بما يجري من أحداث داخلية، وقد وجد التجار وحتى الناس العاديين في هذه الظروف الاستثنائية فرصة لتشييد ملايين الشقق السكنية وحتى العقارات التجارية، ولا يمكن استثناء محافظة أو مدينة أو حتى أصغر بلدة وقرية من مثل هذه المخالفات والتجاوزات التي وصفها البعض بالتسونامي بسبب الأعداد الهائلة من المخالفات، ورغم ما يُنشر حول حقيقة عددها وتوزعها، فإن معظم الأرقام والمعلومات غير دقيقة، لكن القاسم المشترك بين كل ما ينشر سواء اجتهادات أو معلومات رسمية، بأن الكل يُجمع على أن عدد هذه الشقق يقدر بالملايين، ومع دخول هذا العدد الهائل والكبير من الشقق إلى سوق العقارات يفترض أن تتراجع الأسعار انطلاقاً من ردم الهوة ولو جزئيا في معادلة العرض والطلب، مثل هذا الكلام قد يكون في مكانه، ولكن الأمر الذي يعلمه الجميع، أن الغالبية العظمى من أصحاب هذه الشقق وحتى التجار منهم، كانوا قد تسابقوا من أجل تشييد أكبر عدد ممكن من الشقق وإبقائها من غير كساء وهي بقيت على العظم، فالأمر المهم هو تحويل المخالفة إلى أمر واقع، على أن يجري كساؤها ودخولها في سوق العقارات بعد انحسار الأزمة الحالية وتراجعها، ما يعني أن سوق العقارات سوف تشهد تحولات غير عادية يكون عنوانها العريض الوصول إلى أسعار عادلة وغير تضخمية .
marwandj@hotmail.com