استدعت السعودية رئيس حكومة لبنان و الزمته بقراءة بيان أعدته له مسبقا و يتضمن استقالة حكومته في سابقة خطيرة لم يشهد لبنان مثيلا لها منذ انشئ في العام 1920 او منذ اعلن استقلاله في العام 1943، فامتثل الحريري للإملاء خشية على نفسه من القتل .
لقد شاءت السعودية من اعلان بيان الاستقالة المفروض على سعد الحريري شكلا ومضمونا ان يكون بمثابة دليل حسي يثبت ان قرار لبنان وحكومته بيدها، وأنها لم تفقد ورقة لبنان بعد، كما ارادته قرارا اتهاميا بحق إيران وحزب الله، وعبارة عن امر عمليات للانطلاق في المواجهة ضد محور المقاومة انطلاقا من لبنان مع ما في ذلك من خطر حريق لبنان بكل ما في الكلمة من معنى. والسؤال الان لماذا في هذا الوقت بالذات قررت السعودية الحاق لبنان بالحريق العربي؟ وهل تنجح في خطتها؟ ثم ما هي الخطة التي ستعتمدها في هذا العمل الشيطاني؟
أسئلة طرحت في لبنان منذ لحظة اعلان الحريري استقالته في توقيت فاجأ الكثيرين خاصو وانه جاء حصرا عبر وسيلة اعلام سعودية ومن على ارض في المملكة السعودية لم تعرف بالضبط اين؟ وبلغة ومفردات سعودية تؤكد ان السعودية هي حصرا من انشا لبنان، أسئلة تؤرق اللبنانيين وكل المعنيين بشأن لبنان فما هي اجاباتها؟
نبدأ بالتوقيت والاسباب التي حملت السعودية على اتخاذ هذا القرار الخطير الذي من شـأنه إذا نجحت الخطة المعدة ان يدمر لبنان بيد السعودية التي انخرطت مع اميركا وإسرائيل في مشروع تدمير البلدان العربية خدمة للمشروع الصهيواميركي. فالسعودية وجدت نفسها وبعد سبع سنوات من الحراب الاجرامية التي شنتها ومولتها ضد 6 دول عربية وجدت نفسها تغرق في وحول الهزيمة ويضمر فضاؤها الاستراتيجي وان الدول التي استهدفتها بعدوانها تصمد وتستعد لإعلان انتصارها على الإرهاب الوهابي السعودي. وان ساعة اعلان هذا الانتصار – الذي بات مسلما به تقترب – وهو انتصار لن يسجل لدولة فقط بل يسجل لمحور ومشروع مناقض للمشروع الصهيواميركي السعودي هو محور المقاومة صاحب مشروع شرق أوسط لأهله لا يكون مستعمرة او منطقة نفوذ لاحد.
لقد عجزت السعودية عن اخماد ثورة البحرين، وعجزت عن حسم حرب اليمن حيث صمد الشعب اليمني مع الجيش واللجان الشعبية واستطاع اليمن بعد أكثر من سنتين من الحرب العدوان عليه ان يغرق السعودية في مستنقعات المذلة والخوف وان يصل بنار صواريخه الى الرياض ومطارها، اما العراق فقد احتوى الهجوم الإرهابي وبات على موعد مع اعلان عراق خال من الإرهاب الوهابي، كما انه أي العراق نجح في التصدي للمشروع الانفصالي الكردي الذي رعته السعودية وإسرائيل من اجل إقامة إسرائيل الثالثة على الحدود الإيرانية،
و في سورية التي تتعرض منذ سبع سنوات لعدوان تموله السعودية و تشارك فيه بكل طاقاتها البشرية و المادية و غير المادية، في سورية التي ظنت السعودية كما فضحها شاهد من أهلها – حمد بن جاسم- ظنت انها و قطر ستتقاسمان الغنيمة السورية، تجد السعودية نفسها الان خائبة محبطة وتشتد خيبتها و احباطها مع اقتراب الجيش العربي السوري و حلفائه من البوكمال على الحدود مع العراق لتصفية اخر مواقع داعش الإرهابية و ملاقاة الجيش العراقي القادم من الشرق و اعلان اكبر حدث استراتيجي يعني محور المقاومة و هو فتح الطريق السريع من طهران الى بيروت عبر بغداد و دمشق، و سقوط كامل المشروع الصهيو أميركي في سقفيه من الأهداف سقف الاستيلاء على سورية و المنطقة و سقف تقطيع اوصال محور المقاومة و فصل شرقه عن غربه من خلال منطقة الفصل التي حاولوا انشاءها على الحدود السورية العراقية وعلى الحدود السورية اللبنانية .
هذا هو السبب الأهم الذي حرك السعودية الان ويلي سبب اخر داخلي لبناني يتعلق بالانتخابات النيابية اللبنانية التي يعتزم اجراؤها في الربيع المقبل والتي اوحت استطلاعات الرأي المعلنة وغير المعلنة ان فريق السعودية في لبنان لن يحصل على الأكثرية فيها والتي ستكون من نصيب محور المقاومة وحلفائه.
وأخيرا لا يمكن ان نسقط من الأسباب أيضا ما يتناقل عن سعي ولي العهد السعودي وقبل اعتلائه العرش قريبا سعيه لتصفية كل مراكز القوى في السعودية فقام باعتقال 16 اميرا و30 موظفا بتهمة الفساد، واعتقل الحريري معهم بصفته عضوا في المنظومة التي اعتقلت، وقد تم اعتقاله واخراج الاعتقال بشكل يخدم الخطة السعودية العدوانية ضد حزب الله وللتغطية على الشأن الداخلي.
اذن ان توقيت إطلاق الخطة السعودية التي بدأت اليتها التنفيذية عمليا بإلزام الحريري بالاستقالة مرتبط أساسا ومباشرة بالانتصارات التي حققها محور المقاومة وعجز المحور المعادي الذي أضرم نار الحريق العربي عن تحقيق أهدافه وهلع من امتلاك حزب الله وحلفائه الأكثرية النيابية وتالية السلطة كلها في لبنان.
لهذا جاءت خطة التدمير السعودي للبنان لمنع محور المقاومة من استثمار انتصاراته و التصدي له على ارض لبنان و لذلك استعملت عبارات مثيرة مثل « قطع اليد الإيرانية في لبنان» و هم يقصدون حزب الله، و يؤشرون الى حرب تستهدف الحزب ل « اجتثاثه « من ارضه و من شعبه قبل اجراء الانتخابات النيابية المقبلة وتقطع الطريق على محور المقاومة من بلوغ أكثرية نيابية معتبرة، و عليه و حسب خطة العدوان السعودي على لبنان تكون حرب تشن على حزب الله على الأرض اللبنانية و كان واضحا بيان الاستقالة الذي كتب بقرار و يد سعودية، في الإشارة الى ذلك عندما ذكر باليمن و العدوان عليه و كان واضحا أيضا و صريحا احد مسؤولي تيار المستقبل عندما اعلن ان المرحلة المقبلة هي مرحلة عسكرة التحرك .
اما تفاصيل الخطة كما يتصورها واضعوها فتبدأ بـ إقالة الحكومة ومنع تشكيل حكومة بديلة الا بشروط سعودية منها عدم وجود وزراء لحزب الله فيها، ثم فتنة داخلية واضرام النار في الشارع ضد حزب الله يدفع الجيش اللبناني للاشتراك فيها، ثم اجتياح إسرائيلي يذكر باجتياح 1982 ضد المقاومة الفلسطينية يؤدي الى اخراج حزب الله من لبنان» كما نادى تيلرسون بإخراج الحشد الشعبي من العراق.
انها خطة اقل ما يمكن القول فيا انها حمق مغلف بغباء وملقح بجهل مطبق لان شيئا من هذه الخطة لا يمكن ان يطبق وفق ما يتصور واضعوه، حيث اننا وفي مقاربة هادئة نجد:
1) في السياسة: ان تشكيل حكومة جديدة في لبنان ليس امرا مستحيلا رغم انه في الظروف القائمة ليس امرا سهلا، لكن رئيس الجمهورية ومعه الفريق الوطني اللبناني ومسلحا بالدستور لن يترك لبنان يتخبط في فراغ حكومي اما المستحيل الان فهو الاستجابة للإملاء السعودي. حيث لن تشكل حكومة يقصى عنها حزب الله ولن يستجاب للسعودية في الانتخابات النيابية لان حكومة تصريف الاعمال قادرة حسب الدستور على اجرائها.
2) اما في الامن فان ما لدى لبنان من قوة تبدأ بقوة قرار القائد الأعلى للجيش و القوات المسلحة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، و قوة الجيش اللبناني و معه الأجهزة الأمنية اللبنانية المحترفة و تدعمهم المقاومة و شعب المقاومة و جمهورها، بهذه القوة الوطنية المركبة من رسمي و شعبي، فان لبنان قادر على خنق الفتنة السعودية في مهدها و لن تفلح السعودية في تكرار تجربة لبيبا و اليمن على الأرض اللبنانية، خاصة وقد عالج لبنان ومحور المقاومة اكبر خطرين يتهددان امنه على الحدود بتطهير داعش وفي المخيمات وما حدث من مصالحة فلسطينية أولا ثم عودة الضالين او وعود بعودتهم الى محور المقاومة .كما يمكن اتقاء او تخفيف مخاطر الحالات الأمنية المنفردة برفع مستوى التدابير الأمنية حول المحتمل استهدافهم و هو امر مطلوب و ممكن تنفيذه بيسر و سهولة.
3) وأخيرا في الاقتصاد، لا ننكر ان الاضطراب السياسي والتهديد بالخلل الأمني عوامل تنعكس على الاقتصاد اللبناني سلبا ولكن اعتقد ان حزام الأمان الذي يشكله الاحتياطي النقدي اللبناني لدى مصرف لبنان، مضافا الى حركة واعدة مرتبطة بإعادة اعمار سورية ودور لبنان – الفريق المنتمي الى محور المقاومة – كلها عوامل تخفف من المخاطر التي تنطوي عليها الخطة السعودية ضد لبنان ومقاومته.
ان لبنان المستهدف اليوم بعدوان سعودي يهدف الى قطع الطريق على محور المقاومة من استثمار انتصاراته، قادر على التصدي لهذا العدوان ويملك من المناعة الأمنية والسياسية والامكانات المختلفة ما يجعله يسقط الخطة العدوانية تلك ونقول أكثر من ذلك ان السعودية ان تابعت في خطتها فأنها ستكون هي وفريقها في لبنان اول الخاسرين وتحصد أكبر الخسائر ومن ينتظر يرى.
استاذ جامعي وباحث استراتيجي - لبنان