مثل هذا النوع من الانحياز نلحظه كثيرا في حياتنا اليومية وفي الكثير من احكامنا على الآخرين مسبقة كانت او لأول مرة, فإذا نجح اداري ما لدينا في حسن اداء عمل او وظيفة او مهمة, واذا ما احاطت بهذا الاداء هالة ولو صغيرة من الضوء الاعلامي او الدعائي, جرى احتساب هذا الاداري ناجحا دائما, حتى ولو لم ندرك اسباب النجاح الحقيقية ومن هم ابطاله الحقيقيون, وبالتالي, نعمد في كل مرة الى الاشادة بهذا الاداري والتحيز له, حتى ولو اخفق في مشاريع ومهمات اخرى .
وكما ننحاز الى تعميم النجاح ننحاز ايضا الى تعميم الخطأ, والى وسم هذا الاداري او ذاك بالفشل حتى ولو لم يكن هو وراء الاسباب الحقيقية للفشل .
طبعا هناك الكثير من اشكال الانحياز المرتبطة احيانا بالاسم او بالموقف الشخصي او بمعايير اخرى, لكنها كلها في المحصلة, تعود علينا جميعا, وجميعا نحصد نتائجها, سواء كانت خيرة ام شريرة .
واذا كان من الطبيعي ان نلحظ مثل هذه الانحيازات في مجتمعنا وفي طرائق اختيار القيادات الادارية عامة, لارتباط ذلك بالامراض الاجتماعية والثقافية التي نعانيها, والتي لاتزال تتحكم بالكثير من خياراتنا, فلأننا نتوقع من هذه الانحيازات ان تكون جزئية ومحدودة الحضور, غير ان ذلك لن يكون طبيعيا, بل آفة حقيقية عندما تتحول الى قواعد واعراف عامة معتمدة, اذ ليس من المعقول ان تكون تجربة الكوادر والقيادات واختبارها على مدى سنوات هي الوسيلة الوحيدة لاعتمادها او استبدالها !
ولأن الفساد ليس بالضرورة رشوة او اختلاسا للمال العام وهدره, فإن التعطيل أو عدم الاستثمار للمتوفر بين أيدينا أو التأجيل او احتساب الخواطر في تنصيب هذا واعفاء ذاك هو ايضا نوع من انواع الفساد, بل لعله الفساد الملتبس وذو الطابع الاستراتيجي الذي ينهشنا من جهة ويبرر ذاته اجتماعيا او ثقافيا من الجهة الاخرى, ثم نكون نحن بنتائجه كمثل من (عايد قريتين) .
نحتاج طرائق اخرى للتنصيب والتكليف والتوصيف . طرائق لاتتدخل فيها الوجاهات وشهادات الزور والتجريب, ولا يقيم بها الفاشلون سنوات في عروشهم قبل ازاحتهم وتسليم الراية لمن هو افضل, على ألا ينطبق ذلك على من اثبتوا نجاحا حقيقيا ومتصلا ولو اقاموا في مواقعهم عقودا من السنوات, وسيرة الاعمال المنفذة عمليا هي الحكم على الادارات والمديرين وليس سير ذاتياتهم الورقية المدبجة بالكتب والقرارات في دوائر شؤون الموظفين والعاملين, وهذا هو الانحياز الموضوعي ?