تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


ليبــــيا - الزمان والمكان

معاً على الطريق
الخميس 8-12-2011
عبد النبي حجازي

يتبدل الزمان والمكان وأنت الثابت الوحيد تسعى في مطلع الشباب لرفع مستوى حياتك فيكون الوقت في قبضة يدك، كان العام 1972 في الأسبوع الأول من شهر تموز بداية العطلة الصيفية

وأنت منطلق عبر الطريق العربي ماض إلى أهلك، تغادر مدينة الأصنام بالوسط الجزائري بساعة مبكرة قبل أن يشتد القيظ تتمتع بربوع الجزائر الخضراء بسيارة متواضعة لا تكييف فيها حتى يزداد اتقاد شمس الظهيرة فتقيل في أي مكان ظليل وما أكثرها في الجزائر التي حررها أهلها من الفرنسيين بمليون ونصف المليون شهيد، لتكون معظم رحلتك في الليل فلا ترى سوى النفق الذي تحفره أنوار السيارة وعلى الجانبين تصطف الأشجار دائمة الخضرة بسيقانها المطلية بالبياض، وعندما تخيلت أنك ستجتاز (5000) كم عبر تونس وليبيا إلى الإسكندرية شعرت كأنما انقطعت السبل بينك وبين العالم حتى بلغت الحدود التونسية فينضم إليك زميل مصري بسمرة غامقة ليرافقك إلى الإسكندرية، يعرفك أن اسمه عبد السلام وأنه من (قنا) ويصمت تحاول أن تستجره إلى الكلام فيرد بكلمة واحدة ويعود للصمت والملل.‏‏

تغني وتشجعه فيردد أواخر الكلمات، حتى اجتزنا تونس وعبرنا الحدود الليبية وكانت طرابلس هي الأقرب تسوقنا هدايا لأهلنا (بضائع أجنبية رخيصة) وغادرناها باتجاه بنغازي على طريق طولها (1700) كم، وتوقفنا في سرت وهي محطة في منتصف الطريق فيها مطعم ومقهى تقف فيها السيارات للاستراحة، ألقينا نظرة وتابعنا طريقنا حتى توقفنا عند بناء قديم شبه مهترئ وتربعنا تحت شجرة تين لا يكاد ظلها يغطينا وعبد السلام يعدّ القهوة والشاي بمحبة ويتركني أستريح وإذا بسيارة شرطة فخمة تتوقف بجانبنا ويدعونا أحدهم بإلحاح أن ندخل البناء وقال فيه ظل وماء، دخلنا فرحب بنا رجل سبعيني وقال إن هذا البناء كان استراحة للملك السنوسي وعين فيه حارساً منذ شبابه وبعد ثورة الفاتح أبقوه مكانه، وأتاح لنا أن نستحم بالماء ثم سألنا ألا تحبون الشاي ثقيلاً؟ قلنا بلى فملأ إبريقاً صغيراً بأوراق الشاي ووضع فيه السكر وصب عليه الماء المغلي ففاحت منه رائحة منعشة وتركه يتخمر وصب لكل منا ربع الكأس رشفنا منه رشفة جمدت اللعاب في فمنا وقال مشجعاً: هذه عادة ليبية.‏‏

طول الساحل الليبي (2200) كم على يمينك الصحراء وعلى يسارك البحر والطريق مستوية نظيفة مغرية فانطلقت بسرعة 120 كم/س فأشارت لي بالضوء‏ سيارة قادمة بمعنى انتبه ثم أشارت سيارة أخرى وعبد السلام غارق في النوم فخففت السرعة مستغرباً وإذا بعاصفة صفراء كأنها السيل يغطي المكان ويطبق على الصدر والعينين فتوقفنا ننتظر الفرج.‏

المناخ في ليبيا رطب حار وعندما بلغنا الجبل الأخضر تبدل الأمر وصار المناخ معتدلاً وحول مدينة البيضا غطاء نباتي زاخر بأشجار التفاح والكروم واللوزيات فتمددنا على الأعشاب ننعم بالراحة وشعرنا كأننا في بلد آخر.‏

دخلنا مصر من السلوم وتابعنا إلى الإسكندرية فأوصلت عبد السلام إلى محطة القطار وودعته فبكى وقال لن أنسى هذه الأيام.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 عبد النبي حجازي
عبد النبي حجازي

القراءات: 2074
القراءات: 1018
القراءات: 1019
القراءات: 1016
القراءات: 1212
القراءات: 1040
القراءات: 978
القراءات: 1259
القراءات: 1227
القراءات: 1088
القراءات: 1571
القراءات: 1131
القراءات: 1657
القراءات: 1179
القراءات: 1134
القراءات: 1234
القراءات: 1176
القراءات: 1256
القراءات: 1242
القراءات: 1248
القراءات: 1464
القراءات: 1598
القراءات: 1412
القراءات: 1336
القراءات: 1738

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية