يصدر في نهايته, والتقديرات السلبية التي أصدرها الصندوق حول معدلات النمو في عام 2008 تعود جميعها بالدرجة الأولى إلى حال الاقتصاد الأميركي الذي سجل في الشهر الماضي توقفاً كاملاً للنمو ,في حين أن اقتصادات دول العالم الأخرى تؤدي عملها بشكل مرضٍ, بل يمكن القول إن الاقتصاد الأوروبي والاقتصاد الياباني سجلا معدلات نمو أفضل من تلك التي سجلت في عقد التسعينات ,ففي منطقة اليورو بلغ النمو العام الماضي 2.5% وهو يمثل زيادة حسب صندوق النقد الدولي بمقدار الضعف تقريباً عن المعدل المسجل في الأعوام السابقة, ويعد أعلى المعدلات المسجلة منذ عام ,2000وجاء هذا النمو تحت تأثير قوة الاستثمارات وصافي الصادرات. ولكن حجم الاقتصاد الأميركي الذي لا يزال الأكبر,حيث تمثل حصة الولايات المتحدة من إجمالي الناتج العالمي حوالي 20%, لا يزال يلعب دوراً في التأثير على مجمل الاقتصاد العالمي.
ويتوقع عدد كبير من المحللين الاقتصاديين أن عام 2008 سيشهد المزيد من التطورات السلبية,إذ يؤكد المحلل في مجلة نيوزويك الأميركية ابارتون بيغزب أن حالة الهلع المالي لعام 2008 في أوجها الآن ,فأسواق الأسهم العالمية تنهار تحت وطأة عمليات البيع الجماعية, وأحدثها البيع القسري لبنك بيرستيرنز بسعر زهيد ,لكن من المؤكد أن الغد يخبئ لنا المزيد من الكوارث, فيما تهرع المؤسسات المالية وصناديق التحوط والأفراد للحد من الاستثمارات, مما يؤدي إلى حلقة مفرغة.
ويذهب بعض الاقتصاديين بعيداً في قراءتهم للأحوال الاقتصادية العالمية, وخاصة حال الاقتصاد الأميركي حيث يقول رجل الأعمال الأميركي الثري الشهير »جورج سوروس« إنها نهاية الدورة الخارقة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية التي استمرت 60 عاماً,وتلوح في الأفق هاوية لم نشهد لها مثيلاً منذ قرن.
ويبدو أن اعتلال الاقتصاد الأميركي, رغم أن جزءاً منه يعود إلى طبيعة السياسات التي اعتمدتها إدارات الرئيس جورج بوش على المستويين الاقتصادي والسياسي, إلا أن جزءاً منها, وهو الجزء الأساسي, يعود إلى تحولات بنيوية في تركيب الاقتصاد العالمي, ذلك أن ثقل عملية الإنتاج ينتقل اليوم من الولايات المتحدة إلى الصين والهند والمجموعة الآسيوية, حيث تزداد حصة هذه المجموعة من إجمالي الناتج العالمي على حساب حصة الولايات المتحدة الآخذة بالتناقص, والتي تراجعت منذ عقد الستينات من القرن الماضي,من 60% من إجمالي الناتج العالمي إلى 20% ويقدر لها أن تتراجع أكثر في غضون السنوات المقبلة.
لكن رغم أن معدلات النمو العامة تراجعت نقطة واحدة حسب تقديرات صندوق النقد الدولي, إلا أن تداعياتها لم تؤثر سلباً سوى على البورصات العالمية ,في حين أن أداء الاقتصاد العالمي في مناطق أوروبا وآسيا وأميركا اللاتينية, وحتى أفريقيا,حافظ على أدائه المرضي, وسجلت معدلات النمو نسباً مرتفعة.
لكن السؤال المطروح, إذا حدث انهيار في الاقتصاد الأميركي,كما توقع سوروس وكما يتوقع محللون آخرون,انهيار يشبه انهيار نهاية عقد العشرينات من القرن الماضي, هل ستظل انعكاسات مثل هذا الانهيار على الاقتصاد العالمي عند حدودها الحالية?
هناك نهجان يتجاذبان المحللين والخبراء على هذا الصعيد,نهج يؤكد أن حجم الاقتصاد الأميركي والعولمة التي ربطت اقتصادات العالم برباط وثيق يؤكد أن أي انهيار اقتصادي داخل الولايات المتحدة ستكون له تداعيات سلبية على جميع الاقتصادات, بما في ذلك الاقتصاد الصيني, لأن الصين هي الشريك التجاري الأساسي للولايات المتحدة, إضافةً إلى أوروبا واليابان. والنهج الآخر يعتقد أن الانهيار ستكون له انعكاسات سلبية أمنية, ولكنها لن تقود إلى انهيار الاقتصاد العالمي, أو تعرضه لأزمة تشبه الأزمة التي يحتمل أن تضرب الاقتصاد الأميركي,ولهذا فإن الاقتصاد العالمي سيحافظ على نموه المقبول محفوزاً بالتطورات الإيجابية التي تحدث الآن في كل أنحاء العالم.