|
مجتمع والتي شارك فيها عدد من العاملين في مجالات الصحة النفسية والعلوم الشرعية والفلسفة والاجتماع بإدارة الأستاذ عبد الرحمن الحلبي, وذلك للحديث عن دور منظومة القيم الاجتماعية في المحافظة على الموروث, وعن مدى تكيف الإنسان الحالي مع عصره. تساؤلات عدة طرحت في هذه الندوة, وكانت البداية مع أستاذ الفلسفة الدكتور أحمد برقاوي,وكيف يمكن أن نقرأ تكيف الفرد مع العالم? يقول: نستطيع ذلك استنادا إلى قدرة الأنا على التعبير والسلوك, مع معرفة أن كل شخص يمكن أن يكون في داخله أنا حقيقي, وأنا كاذب وهذا ما يسمى نظام انشطار الأنا أي أن يظهر الشخص عكس ما بداخله, وهنا أتحدث عن المكبوت الموعى به, أي الذي يكتبه الإنسان عن سابق الإصرار, وبالتالي المشكلة تتعقد عندما يكون المجتمع في مرحلة انتقالية, فالإنسان منشطر بين الانتماء إلى مجتمع تقليدي وإلى مجتمع قيد التكون والحدوث, فيصبح لديه تعدد في السلوك والتفكير, أي أن الإنسان يعيش في أكثر من عالم في وقت واحد, وهذا يعني أنه يعيش أنماطا مختلفة من السلوك, ونحن في هذا العالم لا نستطيع أن نتوقع ردود فعل الآخر. قيم الإنسان العصري وعن دور القيم في تكيف الإنسان العصري أو استلابه فيقول: إن عالم القيم هو عالم متغير بذاته, وبالتالي لا يجوز اطلاقا أن نضع علامة الصفر على قيم وافدة وعلامة عشرة على قيم موروثة, وعندما نقول عالم القيم الدينية يجب أن نميز بين القيم كيف يجب أن تكون وبين القيم الموجودة فعلا, فالاحتجاج بقيم مطلقة ضد قيم تنشأ وسائدة احتجاج باطل, ولكن يمكن أن تحتج على قيم سائدة من خلال علاقتها مع الإنسان وتأثيرها فيه. أما لماذا استلب الفرد في المعطيات المعاصرة, وبقي ثابتا في الكثير من معطياته, يجيبنا الدكتور برقاوي قائلا: إن الأمر يعود إلى عالمنا الراكد وحركته البطيئة ما أن يظهر ميلا للتقدم حتى يعود إلى الوراء, فمثلا: العلم حاضر في عالمنا لكنه لماذا لم يتحول هذا العلم إلى وعي علمي, ولماذا تجد شخصا يعرف العلم ويؤمن بالخرافة? فكل مجتمع يأتيه وعيه من الخارج دون أن يكون له أساس موضوعي داخلي, يصبح لديه شكل من أشكال الانشطار بين الأنا والآخر. السلوك الإنساني من المنظور الديني ويتحدث الدكتور محمد شيخاني عن كيفية توصيف السلوك الإنساني للفرد مع العلم أن هناك أنا حقيقيا وأنا كاذبا وأن في كل منا ممثلا كامنا: مبينا أن سلوك الإنسان يتوصف من خلال المخزون الثقافي والفكري وعلم الاجتماع, وهو في منظور الفلسفة يختلف عنه في منظور علم الاجتماع ويتشابك معه, وأيضا يختلف عنه في المنظور الديني متمثلا بالأمر والنهي. وبوجود العولمة وما تنادي به مراكز الإعلام في كل مكان لتغيير سلوك البشر, ولتحقيق مجتمع سلوكي لا ديني, استهلاكي لاستيعاب العالم اقتصاديا بأقل الأجور وأقل الضرائب وأغلى الأثمان, فإن العالم الحالي يعيش أزمة اقتصادية فكرية نفسية, وأمام هذا ليس لنا إلا دعوة إلى القيم العليا التي أرادها الله لتنظيم سلوك الإنسان نحو الحق والعدالة والسلام, وأيضا دعوة علمية مبرمجة بأقلام الكتاب والعلماء ووسائل الإعلام مكونة من كبار المختصين في كل مناحي الحياة, متسلحين بالإرادة والقدرة لصد هذا الهجوم الذي تفرضه ثقافة مشوشة متعاونة مع فكر الحداثة وما وراء الحداثة. الجانب النفسي ولكن إلى أي حد يصل تكييف الفرد الحالي مع المنظومة المتوارثة? تقول الدكتورة إيمان عز اختصاصية في الصحة النفسية: إن أهم المؤشرات على أن الأشخاص متكيفون أم لا هو حجم الأشخاص الذين لديهم اضطرابات نفسية, ولا يمكن أن يحقق الفرد أي كفاية دون تواصله مع مجتمعه, فالمجتمع أهم منظومة ينشأ فيها الفرد, فمثلا: نقول عن الطفل إنه أصبح كائنا اجتماعيا عندما يصل نموه إلى الحد الذي يدرك فيه أن هناك تشابها بين خبراته وخبرات الآخرين. ولكن هذا الآخر الذي أتحدث عنه بهذا المدى الواسع, ما خبراته, ما صفاته, في أي مستوى أنا منه? ومن هذا المنطلق فإن الشخص المتوازن نفسيا أو الذي يتمتع بصحة نفسية جيدة, هو الذي يحقق مجموعة من الصفات والكفاءات وأولهما الكفاءة الاجتماعية, وجزء كبير منها يتعلق بالقيم الاجتماعية السائدة, وأيضا الكفاءة العقلية والكفاءة الذاتية ,أي الشخص الذي يمتلك مفهوما إيجابيا عن ذاته. ويتبع ذلك تعليق للدكتور أحمد برقاوي يقول فيه: إن الإنسان السوي بالمعنى الفلسفي هو الإنسان العادي غير المتميز, وأن الإنسان اللاسوي, يأخذ هنا معنى إيجابيا وهو الذي يحمل رؤية جديدة للأشياء والذي يجر العالم إلى التغيير. الجذب في ثقافة الاستهلاك وبدوره يتحدث الدكتور طلال مصطفى عن موضوع تكوين السلوك الاجتماعي كعملية في غاية الخطورة كونه سيوجه من قبل مؤسسة اجتماعية أو منظومة اجتماعية متوارثة أو جديدة, فكل منظومة تريد أن توجه سلوك الفرد بما يناسب فلسفتها, أولا: منظومة الأسرة, ثم المؤسسات التعليمية, ثم المنظومة الاجتماعية السياسية, وأيضا المؤسسات الإعلامية والدينية الموجودة, وكلها مؤسسات اجتماعية توجه الفرد. أما الذي حدث الآن: ظهور ثقافة جديدة وهي ثقافة العولمة, وهي واقع وشكل من أشكال التطور الحضاري الذي وصل العالم إليه, ولكن الإشكالية التي وصل إليها شبابنا الحالي, هي كيف يتكيف مع ثقافته التقليدية, وكيف سيواكب هذه الثقافة الجديدة التي هي بحد ذاتها مجزأة إلى أولا: ثقافة علمية وفكرية بطرق علمية, وثانيا: ثقافة استهلاكية فيها نوع من الإثارة والجذب. هذه الفجوة بين الثقافتين جعلت الثقافة التقليدية تأخذ شكلا من أشكال الضغط على الأفراد, والإنسان محاصر بين هذا الجذب وبين ثقافة الاستهلاك التي اعتقد للوهلة الأولى أنها تحمل الحرية الشخصية وهي الخلاص, وإذ بها قيود جديدة تقوده إلى نوع من التفكير والسلوك, فلا يجد نفسه إلا وأنه يقلد الآخر بلباسه وشكله وثقافته أيضا, ولم يبق له هامش للتحليل. |
|