|
شؤون سياسية لوثة الحقد والعداء للعالم بحضاراته وللشعوب بثقافاتها وللأمم بخيراتها، والغرب يعتقد في صلب أيديولوجيته المتشعبة والمتحركة أن الكرة الأرضية بمن فيها وما فيها هي مجرد مساحات جغرافية ومجموعات ديمغرافية لها جميعاً وظيفة واحدة هي أن تقدم ذاتها على أنها المجال الحيوي الأمني للغرب والحديقة الخلفية ذات المساحة اللامتناهية لتأمين حاجاته وتسديد نهمه المادي والعسكري والتكنولوجي. ولايستطيع الغرب أن يتخلى عن هذه النزعة المفعمة بالحقد والاستهتار وتجاهل منابع التكوين الإنساني للشعوب ويتساوى في ذلك دوله الكبيرة والصغيرة والقديمة والمستحدثة والمهزومة والمتفوقة، ولعلنا الآن نشعر بكل الآثار والآثام التي تنتجها هذه النزعة الغربية، والغرب بكل تصنيفاته جاهز أبداً ليفني بعضه البعض الآخر كما حدث في الحربين العالميتين الأولى والثانية ولكنه سرعان مايتوحد على قاعدة الحقد الايديولوجي على العالم، بعض دوله اصطنعت صيغة الامبراطورية العظمى وهي لاتملك أي مقوم في ذاتها سوى النزعة الموحدة للغرب في نظرته للعالم، هولندا اصطعنت الامبراطورية، بلجيكا، البرتغال واندفعت إلى كل محيطات العالم لتسيطر. بعض الغرب مثل الولايات المتحدة الأميركية نشأ على ذات المورد الهمجي، أباد الشعوب القديمة البائسة وسالت دماء ولاياته أنهاراً في حرب ذاتية بين الشمال والجنوب وفي المآل صارت أميركا مصدر السيطرة والحقد على العالم كله، حدثت الثورة الصناعية الأولى والثانية في الغرب، الأولى أحلت الطاقة محل العضلات والجهد اليدوي والثانية أحلت الرياضيات والكمبيوتر والانترنت محل العقل ومع ذلك أخذتها النزعة المستبدة للحقد على العالم، ولم يجد في ذلك شعارات الثورة الصناعية من خلال الديمقراطية والعلم ودور الإنسان وإقصاء الدين عن الدولة وانتهاج العلمانية كأساس ومازالت الدنيا كلها في نظر الغرب مساحة للسيطرة والاستغلال ومازالت شعوب العالم كله في نظر الغرب مجرد كميات بشرية وقد سحب منها الوعي وحق تقرير المصير وإمكانية بناء الدولة المتحررة والمتكاملة. وتتجسد هذه الفكرة أكثر مايكون في قصة ومسيرة الغرب الاستعماري مع العرب، فالملايين العربية هنا ليست إلا سوقاً استهلاكية لتصريف المنتج الغرائزي الغربي وهي مجرد كائنات بشرية ولاتملك من ثروتها حق الاستثمار ولاتملك من أمرها حق البناء، والعرب بأرضهم ومافوقها وما في باطنها إنما هم مجموعات متناقضة مقتتلة لاتجيد التآلف فيما بينها ولذا فإن الحجز بين جيوشها العنترية وحكامها «المشايخ» هو من مهمة الغرب وإذا ماكانت هناك تعديلات في هذه النظرة فلا يتعدى ذلك الشكل ولايصل ذلك إلى المضمون، اركب أيها العربي أحدث موديلات السيارات أو اركب ناقة هرمة فأنت كما أنت متخلف في نظرهم عابر سبيل ولاتجيد سوى الاستمتاع بالغرائز، اسكن قصراً منيفاً مجهزاً بتكنولوجيا الغرب فوق الماء أو تحت الماء فأنت في نظر الغرب مجرد ساكن منفتح الشهوة والشهية، مغلق الفكر والتفكير وهناك من يحميك في كل العصور ويأتي في هذا الزمن من الغرب بأساطيله وطائراته وبوسائل اتصالاته ليمارس هذا الدور في حمايتك، أما أنت أيها العربي الشيخ، كن أميراً أو كن وزيراً أو كن ملكاً أو كن رئيساً (مودرن) فاقعد واستمتع فأنت الطاعم الكاسي كما قال جرير الشاعر ذات مرة. ونسارع لالتقاط اللوثة الثانية في مسيرة الغرب الاستعماري وهي القائمة على فكرة الاستخدام للبشر وأداء الخدمات للمركز الغربي، وهذه فكرة دائمة الحضور عبر النهب الاستعماري للثروة وعبر نزعة التبذير التي صارت غريزة عند الأثرياء العرب، وهذه النزعة في الاستخدام العربي تملك خاصية التجدد وتتحول مع الريح وتندفع حسب الحاجة الغربية، فإذا ما أخذت هذه النزعة شكل الاقتتال بين العرب حتى ولوكان هذا الاقتتال على منطقة محايدة في الصحراء أو على قرية مثل حلايب أو على صخرة مثل (فيشت الديبل) والتي أرخت لصراع دموي انفجرت فيه النخوة فإذا العقال العربي والكوفية العربية تلقى في الأرض وقد هاجت النفوس ودبت همجية قتل الشقيق في كل مفاصل هذه العائلات والمشايخ والممالك المصطنعة، وهؤلاء الأشاوس الأعراب باعوا النفط والسواحل وعلى البيعة المقدسات الإسلامية وتراث العرب وذاكرتهم بحفنة من الدولارات وبمصاغات هي من نوع الاكسسوار وبزجاجة وسكي معتق وبقدبخس رخص لغانيه سمراء أو شقراء قادمة من بلاد (النور والجمال). وتحركت هذه الوظيفة لتتأكد بعد ذلك في دور الإدارات العربية لكي تؤمن للكيان الإسرائيلي عوامل وجوده وأسلحة عدوانه ولتنشر تيارات عقائدية تبشر بالزمن اليهودي في المضمون والزمن العربي عبر العباءات، ولكي تتوضح هذه اللوثة كان لابد أن يمر الطريق إلى واشنطن وباريس ولندن عبر الكيان الإسرائيلي عبر تل أبيب العاصمة السياسية وعبر النظرة للقدس على أنها مجرد شبح من ذكريات عفا عليها الزمن وقد آن الأوان ليعترف (الشيوخ العرب) بأن فلسطين كل فلسطين هي مقر ومستقر لليهود، وأخذ الأعراب دوراً وقطعوا شأواً وأعجبتهم اللعبة وهاهم اليوم حطوا الرحال لكي يتحشدوا في المهمة الجديدة عبر إسقاط سورية الوطن والشعب والدور والنظام السياسي، هاهم المشايخ الأعراب قد أفصحوا عن نزعتهم الخبيثة بلا تردد وبفجاجة وصلت إلى حد الوقاحة وصدق قول الله فيهم إنهم يقولون بألسنتهم ماليس في قلوبهم، إنه الدور وقد زين الغرب للأتباع في المنطقة أنهم الحكام الجدد والزعماء الذين لايدانيهم أحد في الفهم والذبح والتعدي على الحرمات، وفهم هؤلاء الأعراب بخبثهم الفطري أنه لكي تنبعث إسرائيل لابد أن تسقط سورية، وماذا في ذلك عندهم، فلتذبح سورية ولتدمر مسيرتها مادام الذبح والتدمير يلبي الأمر القادم من وراء المحيطات ومادامت إسرائيل تمتلك من خلال الذبح والتدمير العربي عوامل مضافة لكي تشعر بالأمان وهي تدمر وتذبح هناك في فلسطين، وتبقى القضية الجوهرية هي خصائص الغرب فيما انطلق منه من أحقاد ونهم بالاستغلال وشعور بالتفوق والنظرة لسورية الآن على أنها الموقع الذي يجب أن يزال لكي تمر المؤامرة الكبرى. |
|