تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


حرب العراق تنسف السطوة الأميركية

الاندبندنت
ترجمة
الأربعاء 21-12-2011
ترجمة خديجة القصاب

ما إن أصبح انسحاب القوات الأميركية من العراق أمرا واقعا حتى راحت الانتقادات تنهال على سياسة البيت الأبيض من كل حدب وصوب ليخيم على عناوين افتتاحيات الصحف العالمية شبح حرب فيتنام وما تمخض عنها من انعكاسات

لا تزال تتردد أصداؤها في مختلف مناحي حياة الشعب الأميركي اليوم. ويأتي فشل الولايات المتحدة في تحقيق أي نصر عسكري على أرض الواقع منذ غزوها العراق في آذار 2003 ليجر ذيول سقوط هيبة الجيش الأميركي ولطالما لوحت واشنطن بقوته وجبروته للهيمنة على العالم.‏

ويفسح هذا الانسحاب العسكري المجال أمام أوباما للتبجح بالقول- مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة الأميركية- أنه اتبع تكتيكا وضع نهاية لحرب العراق غير المرغوب فيها منذ اتساع رقعة احتجاجات الشارع الأميركي في الوقت الذي أثنى عليه نائبه جو بايدن على الانجازات التي حققتها القوات الأميركية في العراق. فعلى امتداد السنوات التسع الماضية تابع العراقيون وصول عدد من المسؤولين العسكريين الأجانب رفيعي المستوى من حلف الناتو والبنتاغون إلى بغداد تحت ذريعة قيامهم بانجازات ضخمة تشمل مختلف الأصعدة قبل عودتهم إلى وطنهم الأم ورغم الانجازات الأميركية في العراق كما دعاها بايدن واستعرضها نائب أوباما هذا على أنها تندرج في برنامج الإصلاحات الرامية لتحسين أوضاع الشعب العراقي إلا أن أصداءها ظلت دون المستوى المطلوب في شوارع العراق لا بل أثارت سخرية العراقيين وضمن هذا السياق يعلق الخبير العراقي العسكري رياض فيصل على ادعاءات بايدن على هذا الصعيد قائلا:»ليست تصريحات بايدن سوى تراكم من الأخطاء الجغرافية والسياسية المثيرة للسخرية تشوبها غطرسة وثقة بالنفس لا مكان لها في خطابه هذا الذي يتجاهل الحقائق على أرض الواقع،» ثم يضيف:«حاول بايدن أن يستحوذ قلوب العراقيين بذكر انجازات حققتها الولايات المتحدة في مخيلته حين قامت القوات الأميركية كما ذكر ببناء مشفى في باكو عاصمة أذربيجان المطلة على بحر قزوين واعتقد بايدن حينها أن هذه البقعة تقع في مكان ما فوق الأراضي العراقية».‏

لقد عمل انسحاب القوات الأميركية من العراق بعد أن فشلت في تحقيق الأمن والاستقرار في مدنه العربية على تشويه سمعة مرشحي الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية القادمة بعد أن أدى وجود تلك القوات العسكرية إلى اندلاع وجود حرب أهلية في العراق ثم التشكيك بمصداقية هؤلاء المرشحين جراء تصريحات كل من بايدن وأوباما المغلوطة التي لا تستند إلى الواقع إلى جانب إثارتها الفتن وتهكم وسائل الإعلام الأميركية على أسلوب تلك التصريحات الهزلية التي أضحكت الرأي العام الأميركي.‏

ويشير الخبير العراقي كذلك إلى أنه عندما يصرح بايدن أن باستطاعة الولايات المتحدة تحويل الليمون إلى عصير يشرب فهو يعود بنا إلى ما يسميه الثقافة السياسية المرافقة للانتخابات الرئاسية وسيادة القانون ويتابع رياض فيصل «فعندما يسلط بايدن الضوء على ما دعاه العراق ثقافة السياسية الشاملة فإنما يعني أن الانسحاب ضروري لتحقيق الاستقرار فوق أرض العراق. علما أن نائب أوباما كان يستخدم تلك العبارات لتجميل انجازات القوات الأميركية التي لم تتحقق أصلا ليستطرد فيصل إن ما يدعونا للحزن هو أن العراق أضحى بلدا مقسما ومدمرا ويحتاج لسنوات لإعادة إعماره. وفي الواقع تمخض فشل واشنطن في الوصول إلى هدفها سواء كان في العراق أو أفغانستان على امتداد العقد الماضي رغم نشرها جيوشا ضخمة وإنفاقها تريليونات من الدولارات عن تدمير مكانتها كقوة عظمى ورغم زيادة عدد القوات الأميركية في أفغانستان لتصل نفقاتها إلى 100 مليار دولار أميركي سنويا إلا أن ذلك لم يؤد إلى هزيمة 25000 مقاتل من طالبان أغلبيتهم يفتقرون إلى التدريب والأمر الذي فاقم من عجز الولايات المتحدة في إحراز نصر على الطريقة الأميركية في كل من العراق وأفغانستان هو إضفاء الطابع العسكري تدريجيا على صناع السياسية في واشنطن.‏

وسوف يصوت الكونغرس على منح البنتاغون مبالغ ضخمة من الميزانية الجديدة بينما يتم تخصيص بليوني من الدولارات لصالح وزارة الخارجية الأمريكية مستقبلا، هذا وتعتبر ميزانية وزارة الدفاع الأضخم بالمقارنة مع حصص الوزارات الفيدرالية الأخرى حيث أفاد تقرير صادر عن لجنة الحادي عشر من أيلول يتضمن تخصيص ميزانية سنوية لتلك الوزارة تصل إلى مستويات غير متوقعة تتجاوز الناتج المحلي الإجمالي لميزانية روسيا الاتحادية. فقيام أوباما بإرسال المزيد من القوات الأميركية إلى أفغانستان عام 2009 جاء نتيجة الخيارات التي أعلن عنها وزير الدفاع الأميركي آنذاك وانتقد هذا الأخير يومئذ إضاعة مزيد من الوقت في مناقشات البيت الأبيض لقضية تعزيز القوات الأميركية في أفغانستان.‏

يفيد الواقع السياسي العربي اليوم ومستجداته استنادا لما صرح به وزير الدفاع الأمريكي ليون بينتا أن ما من رئيس أميركي يستطيع مواجهة ما نتج عن حرب فيتنام خاصة إذا كان ينادي بالديمقراطية حسب المفهوم الغربي ففشل القوات الأمريكية في هزيمة طالبان دفع البيت الأبيض لتسريع سحب تلك القوات من أفغانستان لكن هذه الخطوة لن تفيد مرشحي انتخابات الرئاسة الأميركية القادمة بعد الخروج من العراق وتوقع حدوث الأمر ذاته في أفغانستان بعد عامين عندها ستعمد الولايات المتحدة إلى شن حرب على إيران وهو أمر لا يؤيده الشارع الأميركي وجمهور الناخبين هناك لان إعلان حرب على إيران يعني خوض صراع مع عدو قوي ومجهز ومستعد لم يسبق الولايات المتحدة أن واجهت نده من قبل سواء في العراق أو أفغانستان على غرار ما واجهته إسرائيل في لبنان عام 2006.‏

وأمام أسوأ أزمة اقتصادية تتعرض لها الولايات المتحدة منذ الثلاثينيات من القرن الماضي لن تعمد بقية دول العالم إلى توجيه الشكر للولايات المتحدة وإسرائيل، جراء شن حرب على إيران تؤدي إلى إغلاق مضيق هرمز وبالتالي ارتفاع أسعار النفط بشكل جنوني وسيكون من الصعوبة بمكان عندها تقليص حجم ردود أفعال هذا الصراع لأن تلك الأفعال تخدم الأهداف الانتخابية الأميركية.‏

لقد انحسر دعم الشارع العربي لسياسية الولايات المتحدة الأميركية ولوجود القوات الأميركية في الشرق الأوسط وها هو جو بايدن يصرح كذلك بأن حرب العراق كانت كارثية بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية على غرار الحرب الأميركية في أفغانستان، إذ لم تحصد الولايات المتحدة من نشر قواتها العسكرية الضخمة في كلا البلدين سوى مكاسب سياسية محدودة كما أنها فقدت مكانتها الخاصة في كل من مصر وتركيا، كما فقدت سيطرة قواتها ومؤيديها على المنشآت العسكرية في هاتين الدولتين فمخلفات احتلال العراق لم يكن سوى حرب أهلية ونزوح ألاف العراق داخليا وهجرة مليوني عراقي خارج وطنه فربما ذلك يشجع الولايات المتحدة في المستقبل على التدخل بشكل محدود في شؤون الدول الأخرى كما صرح بايدن إلا أن الأزمة الاقتصادية المتنامية في العالم الغربي تجعل من الخطورة بمكان بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين التورط في حروب لا تعرف نتائجها وحجم مكاسبها وخسائرها.‏

ربما يكون النجاح الذي حققه قائد القوات الأميركية ديفيد بتراوس على الصعيد الشخصي وراء إقناع المسؤولين الأميركيين أنهم ربحوا الحرب على أرض الواقع، علما أنهم لم ينتصروا فيها كما تسعى واشنطن لإقناع الشارع الأميركي بأن الحرب انتهت بينما لم تضع الحرب هناك أوزارها نظرا لاستمرار قتل عدد من القوات الأميركية في أفغانستان بعد العراق وعلى الأرجح سيظل شبح حرب العراق يهيمن على سياسة واشنطن الخارجية لفترة طويلة في المستقبل لأن تلك الحرب لم يتم تحديد الرابح فيها بعد أن ظهر جليا أن التدخل العسكري لا يعتبر على الإطلاق نصرا سياسيا.‏

 بقلم باتريك كوكبرن‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية