تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


العلاقة الوثيقة بين صناع السياسة والسلاح

عن موقع : Voltairenet
ترجمة
الأربعاء 21-12-2011
ترجمة: دلال ابراهيم

يرى الفنان البريطاني تيري جونس أن مجمع الصناعة العسكرية ليس بعيداً وغريباً عن الحملة العدائية الحالية ضد إيران، ووفق رأيه نعيش هذه الأيام نفس الوضع الذي كان يعيشه دافعوا الضرائب في دول المدن الإيطالية خلال القرون الوسطى, ونحن نرى أموالنا تختفي لصالح الأجهزة العسكرية النهمة .

في تلك الأيام الغابرة والتي تعود للقرن الرابع عشر شهد العالم جائحتين كبيرتين، إحداهما كانت جائحة مرض الطاعون، والأخرى هي جائحة الاتجار بالحرب .‏

وليس خافياً على أحد أن الجيوش من الأزل تعتمد نوعاً ما على عناصر مرتزقة , ولكن وفي ظل حكم ادوارد الثالث أصبح هؤلاء المرتزقة هم عماد الجيش الإنكليزي خلال العشرين عاماً الأولى لما أصبح يُعرف فيما بعد باسم حرب المائة عام . وعندما وقع الملك ادوارد الثالث معاهدة بريتيني عام 1360 وطلب من جنوده التوقف عن الحرب والعودة إلى ديارهم لم يكن لدى العديد منهم بيوتاً يعودون إليها. ولما كانوا معتادون على القتال وجعلوا منه مصدر رزق لهم فقد شكلوا جيشاً مستقلاً وأطلقوا عليه اسم (الشركات الحرة ). وبدأ هذا الجيش القيام بأعمال تخريب مروعة في فرنسا من خلال ممارسة أعمال النهب والقتل والاغتصاب .‏

أحد هذه الجيوش كان يدعى (الشركة العظمى), وكان يضم حوالي 16000 جندي , وكان عدده في واقع الأمر أكبر بكثير من عديد أي جيش وطني آخر في ذلك العهد . وهاجم هذا الجيش البابا في أفينيون واتخذه رهينة . وارتكب البابا خطأ , عندما كان يدفع لأولئك المرتزقة مبالغ نقدية ضخمة , الأمر الذي دفعهم نتيجة ذلك إلى المضي أكثر في مواصلة عمليات نهبهم . وطلب إليهم العبور إلى إيطاليا بتمويل منه وتحت راية الماركيز مونيفيراتو, للقتال ضد أعدائه فيسكونتي , وكانوا على رأس الحكم في ميلانو .‏

وبدأ الكابوس انطلاقاً من هذه النقطة . ووحده وباء الطاعون كان أكثر كارثية من جيوش قطاع الطرق هذه التي انطلقت جحافلها عبر جميع أنحاء أوروبا . وكأنما العفريت قد خرج من القنينة , وصار من المستحيل إعادته إليها، لأن الحرب أصبحت تجارة مربحة . وبسبب اضطرارها لاستخدام أموال دافعي الضرائب من أجل دفع الأموال إلى تلك ( الشركات الحرة ) بدأت دول المدن الإيطالية تعاني تدريجياً استنزافاً لمواردها المالية . ولم يعد يلوح أي أمل في الانتهاء من هذه الحروب , نظراً لأن من يجنون أرباحاً منها كانوا يرغبون بمواصلتها .‏

جرى ذلك قبل 650 عاماً من قرار الولايات المتحدة , في عهد الرئيس جورج بوش خصخصة الحرب على العراق عبر استخدامها لمقاولين خاصين , مثل شركة بلاك ووتر , التي تدعى الآن ( خدمات Xe ). وقد حصلت هذه الشركة في عام 2003 ودون إجراءات طلب العروض , على عقد بقيمة 27 مليون دولار من أجل توفير الحماية لبول بريمر , رئيس سلطة الائتلاف المؤقتة . وحصلت الشركة عام 2004 على 320 مليون دولار من أجل توفير الحماية لموظفي مناطق التي تشهد توتراً. وفي نفس العام دفعت إدارة بوش 250 مليون دولار للشركة المذكورة لقاء توفير الأمن في أفغانستان . وتلك ليست سوى شركة من بين العديد من الشركات الأخرى التي تجني أرباحها من الحروب.‏

في عام 2000 نشر مشروع القرن الأميركي الجديد تقريراً بعنوان (إعادة بناء دفاعات أميركا) وكان الهدف المعلن منه هو زيادة النفقات الدفاعية من 3% إلى 3.5% أو 3.8% من الناتج المحلي الصافي الأميركي . وهذا يشكل حالياً 4.7% من الناتج الوطني الصافي . في حين تبلغ نفقات بريطانيا الدفاعية 57 مليار دولار, أي ما يعادل 2.5 من الناتج الوطني الصافي.‏

والآن تتحول أموالنا, مثلما كان يجري لأموال دافعي الضرائب في دول المدن الإيطالية في العصور الوسطى, إلى العمليات الحربية . حيث يتعين على كل شركة مسؤولة تحقيق أرباح لزبائنها . وفي القرن الرابع عشر كان زبائن ( الشركات الحرة ) هم الجنود أنفسهم. وفي حال لم تشتبك الشركة في حرب لحساب الآخر فالزبائن مضطرة للتخلي عن أرباحها وبالتالي عليهم البحث عن إيجاد أسواق أخرى بوسائلهم الخاصة .‏

وضمن هذا السياق , قدمت شركة ( White Compagny) للسير جون هاوكوود خدماتها للبابا أو لمدينة البندقية وعندمارفض الجانبان العرض قدم السير هاوكوود العرض بكل بساطة إلى أعدائهم . وكما كتب فرانسيس ستونور ساوندرز في كتابه (هاوكوود , الشيطان الانكليزي ) يقول « قيمة هذه الشركات كانت سلبية للغاية وتستند فقط على قدرتها في الحفاظ على توازن قوى عسكرية بين المدن « وهذا تماماً ما حصل خلال الحرب الباردة‏

قبل عقدين من الزمن وقع تحت يدي مجلة تعنى بصناعة الأسلحة . افتتاحيتها كانت بعنوان (حمداً لله على صدام ) يقول فيها كاتبها أنه ومنذ انهيار الشيوعية وانتهاء الحرب الباردة انخفض الطلب على الأسلحة . وبما أنه أصبح لدينا الآن عدو جديد , يمكن للصناعة أن تغتبط من هذا الخبر . لقد شُنت الحرب على العراق بناء على كذبة , لم يكن يملك صدام سلاح التدمير الشامل , ولكن صناعة السلاح كانت بحاجة لهذا العدو والسياسيين قدموه لها .‏

والآن , نفس طبول الحرب تقرع على وقع الهجوم الذي وقع على السفارة البريطانية في طهران من أجل شن حرب على إيران . وقد كتب الصحفي الأميركي سيمور هيرش في صحيفة نيويوركر « يجري الآن دراسة دقيقة لليورانيوم المخضب المنتج في إيران « ويستطرد القول بخصوص تقرير الوكالة الدولية للطاقة , الذي أثار هذه الصخب ضد الطموحات النووية الإيرانية « لا يحتوي هذا التقرير على ما يمكن أن يثبت أن إيران تطور أسلحة نووية .»‏

كانت الكنيسة خلال القرن الرابع عشر هي التي تتعايش في اتحاد وثيق مع الجيش . أما حالياً فإن السياسيين هم الذين يقومون بهذا الدور . وقد أنفقت الولايات المتحدة عام 2010 مبلغاً ضخماً بلغت قيمته 687 مليار دولار للشؤون الدفاعية . ولكم أن تتخيلوا ما يمكن أن تفعله تلك المبالغ فيما لو خصصت للمستشفيات أو للمدارس أو لتسديد الرهون العقارية تفادياً لطرد أصحاب العقارات !‏

وقد استغل الرئيس دوايت ايزنهاور المناسبة خلال خطاب الوداع للأمة عام 1961 ليحذر مواطنيه من خطر السماح بإقامة علاقة وثيقة بين السياسيين وصناع السلاح « هذا الرابط القوي بين مؤسسة عسكرية ضخمة وبين صناعة الأسلحة هو أمر جديد في أميركا. وعلينا أن نأخذ الحيطة داخل المجالس الحكومية لمنع أي نفوذ غير مبرر, سواء سعوا إليه أم لم يسعوا ،, يمارسه مجمع الصناعة العسكرية . فيما المخاطر المحتملة من صعود كارثي لسلطة غير شرعية موجود وسوف يستمر .» وما زال هذا الخطر موجوداً . ومن جديد خرج العفريت من القنينة .‏

 بقلم : تيري جونس‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية