تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


بروز ملامح فكر سياسي وثقافي

ثقافة
الأربعاء 21-12-2011
عبدالكريم الناعم

1...بداية أُشير إلى أهميّة كلّ مفردة في العنوان، بدلالتها الدّقيقة، ف(البروز) يعني التقدّم قليلاً إلى الأمام،

و(الملامح) لاتتجاوز حدود مايميّز هذا عن ذاك، أماّ اقتران السياسي بالثقافي فهو ذلك الاقتران العضوي في مواضع التّقاطع التي يسمح وضوحها، ونقاؤها، بأن تكون (السياسة) قد ارتفعت إلى مستوى مايُفترَض أن يتجسّد في (الثقافة)، وهذا الالتفات يشير ضمناّ إلى أنّ كلًّ من (السياسة) و(الثقافة) تكونان عرضة إلى ماينحرف بهما عن خطّهما الإنساني العام، بمعناه الشمولي، العادل، النّظيف، وإذا كان الغالب في منطقتنا العربيّة أنّ المساحة (السياثقافيّة) قد أصابها ماأصاب الجسد العربي ككلّ، فإنّ من يعمل صادقاً في مجال الثقافة، وفي فضاء السياسة بمعناه (الرّفيع)، لابالمعنى (الرّقيع) فإنّه يظلّ يتطلّع إلى الأنقى، والأكفأ، حتى حين يصل السّواد إلى الأذقان، وهنا نذكّر مرّة أخرى بتلك العلاقة الصميميّة بين الثقافة والسياسة، فكلاهما وجه في الآخر، كما هو مفترَض.‏

2 -التّيّار الذي أعنيه هو التّيّار الديني (الأخواني) الذي برز بشكل لافت على السّطح منذ ماسمّي بالرّبيع العربي، والذي يجري الاشتغال عليه لتقديمه كبديل (جماهيري)!! يمتدّ على الرّقعة الوجدانيّة للناس، وعلى صفحة الأحداث، فهو يتقدّم عبر صناديق الاقتراع التي تحوّلت إلى فخّ للإيقاع، لاإلى إجراء يأتي بعد التّمهيد، والتأهيل، وهو مايصرّ عليه الغرب، كصيغة يسير على خطاها، عارفاً بالنتيجة التي سيتمخّض عنها فرز الأصوات، بحكم عمله القائم على الحفر والنّخر.‏‏

إنّ الفكرة السّابقة تحرص على الإشارة إلى أنّ الشغل على ماهو سياسي له الأفضليّة، كمركب وكطريق، عند مَن نعني، فهذه الحركات تعمل منذ زمن لاستلام السلطة بهدف إقامة « شرع اللّه» كما يعلنون، غير أنّ مسألة العلاقة بين الهدف والوسيلة هنا تعترضنا بقوّة، فهل من الشرعي والجائز أن نًُسايرالصهاينة من أجل الوصول إلى سدّة الحكم؟!‏‏

هذا الذي نقوله ليس افتراضاً، وثمّة شيء منه ماثل على أرض الواقع، لأنّ كلّ صمت عن جرائم العدوّ، وكلّ تغييب لما يقيمه على الأرض، متابعاً إنجاز مشاريعه في تغيير معالم ماهو فلسطينيّ، وهو عمليّاً في مراحله الأخيرة من هذا المشروع،.. أيّ صمت، أو تجاهل، أو تغليب لما يجري هنا على مايجري هناك، هو خدمة مقدَّمة لذلك العدوّ، الذي حين ننصرف عنه ولو لحظة واحدة فإنّنا بذلك نقدّم له وسائل وأدوات التّمكين، والتّجذّر، والاستمرار، ومن يتابع ماهي عليه الحركة، أو الحركات (الاخوانيّة) في الوطن العربي سيجد أنّهم بدؤوا بتقديم أوراق اعتمادهم للصهيونيّة، وللغرب الدّاعم لها، وحاميها الأكبر، حتى قبل أن يصلوا إلى مواقع السّلطة، فقيادات (الأخوان) على اختلاف تسمياتها كانت، ومازالت تقيم في الغرب معزّزة، مكرَّمة،محميّة، وذلك باسم حماية الديموقراطية، واحترامها، والغرب، على العموم، وكما نعرف فإنّه لايقيم ملاجيء للمضطهَدين، وللباحثين عن الحريّة، فهو، في بنيته العمليّة والعقليّة غرب الربّح، والربا، وتأليه الذهب والمال، وما من عمل يتّجه إليه إن لم يجد فيه منفعة ربحيّة، ربويّة، والعمل على بعض السياسيّين ليس أقلّ استثماراً ماليّاً من العمل في آبار النّفط، ونعتقد أنّ ماحدث في ليبيا هو من أقرب الأدلّة وأصدقها على مانقول.‏‏

لكي لايظلّ الكلام معلّقاً على مشجب التّحليل نذهب مباشرة إلى بعض الأقوال المتداولة بهذا الشأن:‏‏

برهان غليون رئيس مجلس اسطنبول يصرّح أنّه إذا وصل إلى السلطة في سوريّة فسوف يقطع علاقته بحزب اللّه، وبإيران، وبحماس، وسوف يستعيد الجولان سلماً،!! وهو بشخصه، وبما يُراد له أن يمثّله الآن لايتكلّم كفرد أكاديمي صاحب عدد من المؤلَّفات، لأنّ هذه المواصفات لاتؤهّل كلّ من يحملها إلى إطلاق التّصريحات، فهو يُطلقها باسم معارضة ارتأت أن يكون هو رئيساً بما له من مسحة ليبراليّة، واختبأت، ليس كثيراً، وراءه كحركة أخوانيّة تشكّل عصب ذلك التّنظيم فهو يقدّم أوراق اعتماد الجميع لعواصم الغرب، ولتلّ أبيب باسمه وموقعه، وباسم الجماعات التي يتألّف منها مجلس اسطنبول العصملّي.‏‏

هذا الموقف من المفيد جدّاً ربطه بما صرّح به الشيخ القرضاوي مفتي الدّيار القطرائيليّة، رافعاً صوته من ليبيا الجريحة المدمّرة، معلناً بشراه لعواصم الغرب التي لاتقوم لإسرائيل قائمة لولاها بأنّ الحركات الإسلاميّة التي حقّقت أغلبيّة في الانتخابات التي جرت في عدد من الأقطار العربيّة سوف تكون (عاقلة) مع الغرب ومع إسرائيل.‏‏

راشد الغنّوشي الذي تستمع إلى فهمه للإسلام، على ضوء تحوّلات العصر ومعطياته، أو تقرأ مقابلاته، أو كتبه، قد لاتختلف معه كثيراً فهماً، وتنظيراً، وأهدافاً كبرى، ولكنّه ما إن حقّق حزبه في تونس أكثريّة انتخابيّة حتى بدأت تصدر عنه تصريحات ليست بعيدة عن تقديم أوراق الاعتماد لذلك الغرب، ولم يكن حسن التّرابي السّوداني أفضل حالاً.‏‏

أحد قادة (الأخوان) في مصرّ يعلن منذ الآن، قبل أن تترسّم السلطة في مصر بأنّ جماعته يحترمون «المعاهدات الموقّعة»، وهو يشير تخصيصاً بذلك إلى معاهدة كامب ديفيد.‏‏

إذن نحن أمام هجمة عالية الموج يمثّلها هؤلاء (الأخوانيّون)، في السياسة، كما في الفكر، وإذا كانت السياسة الآن هي ذات الحضور الأقوى، فإنه لن يطول الأمر حتى نقرأ بعض الكتب التي تتحدّث عن (شرعيّة) مافعلتْه هذه الجماعة، وسيكون ثمّة مناظرات، ومحاضرات، ومنابر للتّرويج إلى هذه الشّرعيّة التي نالت رضى مَن أسّس لها وأفتى، وبذلك يُصادرون من خلال منابرهم الرسميّة الجديدة أن يكون لإسلاميّين آخرين رأي جدير بالإستماع، وهذه البنية الماضويّة في عقليّة (الأخوان) بنية مركزيّة في أساس تكوينهم الفكري، وبينهم وبين إسلاميين آخرين من الشواسع والفوارق مايلفت الانتباه، فهم ليسوا أحفاد الشيخ الأفغاني، ولا محمد عبده، ولا علي عبد الرّازق، بل هم تحديداً أحفاد تشدّد سيّد قطب، ويتقاطعون جوهريّاً مع (الوهّابيّة) التي أنتجت كلّ ذلك الكمّ من التّكفيريّين والإرهابيّين.‏‏

إنّ خطورة هذا الملمح لاتأتي من مضامينه فقط بل من (الشّرْعنَة) التي يخلعونها عليها، فهي وحدها الشرعيّة، وما عداها غير شرعيّ، وهذا يتنافض مع أسس الديمقراطية التي يُرَوَّج لها اليوم بضخّ إعلامي كبير، يضاف إلى ذلك أنّ رؤيتهم تُلغي أيّ رؤية إسلاميّة أخرى تخالفها، وهذا إقصاء لايتقبّله العقل النّزيه، فشعوب العالم تعترض على الاقصاء السياسي الذي ليست له أي صفة دينيّة، لتقع في منطقتنا العربيّة، عن معرفة، في فخّ الإلغاء باسم (الشّرع)!!، لمجرّد أنّ صاحب هذا الرأي أو تلك الفتوى معدود من رجال الدّين،!!‏‏

3 - إنّ الرّوحيّة التي يعمل عليها هؤلاء، في الحقل السياسي هي روح الدّهماء التي لاتقدر على التّفريق الحقّ، ولكنّها تنتصرانتصاراً جاهليّاً بحتاً، فتقتل، وتحرق، وتغتصب، وتمثّل بالجثث، وثمّة مَن يمدّها بالفتوى أنّ هذا هو (الجهاد)!!، أمّا فلسطين، وتحريرها، وما يجري لها ولأهلها فهي مرفوعة على الرفّ، لا بل وثمّة الكثير من رسائل التّطمين بشأنها لقادة ذلك الكيان،..‏‏

هي صيغة جاهليّة في الفهم والسّلوك والأهداف، ولا علاقة لها بالإسلام السّمح الذي عرفنا منه أنّ مَنْ قَتَلَها فكَأنّما قَتَلَ النّاسَ جميعاً، وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنّما أَحْيا النّاسَ جَميعاً، فأين هذا من ثقافة التّقطيع والتّمزيق والتّشويه المنتشرة من قندهار إلى الجزائر، إلى الصّومال، إلى العراق، إلى سوريّة،؟!!‏‏

أؤكّد لو أنّ شيوخ وقادة هؤلاء كانوا يؤمنون بأنّهم مسؤولون ذات يوم، عمّا فعلوه، بين يد ربّ (العالمين) لاربّ هذه الطّائفة ولاتلك،.. لو كان عندهم ذرّة من الإيمان بذلك لكانوا في غير هذا الموقع،..‏‏

aaalnaem@gmail.com ‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية