تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


(القضية الفلسطينية ..في المسارح السورية)

مسرح
الثلاثاء 6-11-2012
آنا عزيز الخضر

لم يتعب الإبداع يوما من معالجة القضية الفلسطينية القضية العادلة، وخاصة ممن جعلها قبلة له و هدفا ، لذلك نجدها دوما حاضرة ، تتكرر الأعمال حولها بأشكال إبداعية مختلفة، من خلال الفنون السورية،في الدراما السورية أو السينما أو المسرح ،

وتصوير ما رافقها من رحلة التشرد و الشتات و اغتصاب الأرض والأوطان ،و ما يوازي كل ذلك من التحدي و المقاومة، و إن كان غالبية العروض المسرحية، تدور في تلك المساحات، إلا أن كل عرض بمفرده ،قدم جانبا خاصا ،و أضاء زاوية ما حول تلك القضية، و ذلك عبر أشكال فنية متجددة، تنقل صورة الحنين الدائم للوطن المغتصب، ثم الممارسات الهمجية من القتل و التشريد و سرقة الثقافة و التاريخ ،ثم الاستمرار في العدوان و هذا كله يعني بشكل أو بأخر ، إعلاء ثقافة المقاومة عبر الكلمة و الذاكرة و الحنين ، يغلف كل ذلك الإرادة، كي تبقى تلك القضية بوصلة أهم بالنسبة للحاضر و المستقبل ،و كي تبقى ناقوسا ، يقرع في ذهن الأجيال .كحق يجب التمسك به.‏

عروض تحدثت عن التمسك بالأرض ،و تمجيد الحقوق الفلسطينية و حق العودة و غيرها، وقد كثرت العروض ،التي عالجت القضية الفلسطينية ، التي غلب عليها أسلوب المنودراما، تلك التي تمتلك خصوصية فنية ،تمنح المساحة اللازمة للبوح و الذكريات ،فينساب عبرها البوح المختبئ حول النكبات الدفينة و الالآم ، حول الماضي و الشخصيات الفقيدة التي غابت، ثم نهر المعاناة ،فأسلوب المونودراما ومفرداته، يتألق دوما مع الحزن الكبير،لما يمتلكه طابعه العام من كينونة ،تعتمد على العمق والتأثر ،والذات الداخلية التي تحمل النواة الأولى للهوية ،فكيف إن شرخت ..؟فهي مهيأة دوما لإمكانية الانفجار من جراء ذلك ، وقد ظهر ذلك عبر أعمال مونودراما متميزة ، جميعها قدمت معالجات اختلفت من عرض لآخر ، و أكثر من قام بها في المسرح السوري هو المبدع (زيناتي قدسية)، و أعماله حول القضية الفلسطينية أكثر من أن تعد، كان آخرها (أبو شنار)‏

(أبو شنار) الشخصية العاجزة، لكنها تتمسك بحقها ،وتحفظ في دواخل روحها،كل تفصيل وكل ذكرى وكل قصة ترتبط وتصور الحنين ، بكل ما يخص الوطن،تواريخ مفصلية ،نكباته المستمرة ،المؤامرات التي شاركت ببيع القضية الفلسطينية ،المعاهدات المجحفة التي تم التخلي عبرها عن الكفاح وغيرها ،ورغم ذلك ، لم يتخل عن حلم العودة، حيث يحمل في بقجته ،التي يتمسك بها كهويته ،بكونها تحمل مواثيق فيها كل اللاءات ،التي تضمن الحقوق الفلسطينية ، لأنه متهيئ دوما للرحيل إلى أرضه المغتصبة، فهو بذكرياته و شخصيات ذكرياته و مفاتيح البيوت ،التي يحملها و كل تلك الإرادة التي يزخر بها بوحه وسرده المتتابع ، المتمسك بحقوقه والعاشق لأرضه ، تمكن أن يطير بالمتلقي إلى تلك الأرض المغتصبة،كما تهفو روح (أبو شنار) ،و يشعر المتلقي أن تلك الأرض قريبة جدا ، بوجود من يتمسك بحقه وأرضه .‏

أيضا عرض( شمه زعوط) تأليف (عدنان كنفاني) و اخرج (زهير البقاعي ) ،أعيدت مرارا و تكرارا على صالات المسرح السوري ،وبين فترة و أخرى ، أيضا العرض ذاته جسد صرخة لن تصمت ، تتابع حربها المقدسة عبر سلاح الكلمة ،‏

يدور العرض هنا أيضا في إطار المونودراما، حيث يعيش الحنين في أجوائها جنبا إلى جنب الإرادة المتطلعة دوما و الطامحة إلى العودة، كما مر العرض على ممارسات الصهاينة ،الذين يقطعون الزيتون و الأشجار،يدمرون البيوت ، و يبنون مكانها المستوطنات، و يستولون على الثقافة الفلسطينية التي تلتصق بتلك الأرض ،ليسرقوها ،وها هو (أبو هيكل) الذي قام بدوره الفنان (تاج ضيف الله) يستعرض الحكايات والقصص والأهل ، ويتذكر كيف كان يتحلق حوله الأصحاب ،ويروي رحلة الحنين الى الوطن ،يحكي عن الشهداء عن النكبة عن بيته وتشرده ،يحكي عن معرفته لطريق بيته الى القدس بعد مرور كل تلك السنين .‏

عرض( سما خفيفة) مونودراما قامت بدور البطولة فيها ، الفنانة (تهاني سليم) و أخرجتها (سوزان ماري فراغه) عن قصة للشاعر الفلسطيني (غسان زقطان) فالعرض هنا مكانه في منزل ب (رام الله)،و يصور الحصار والغربة بشكل مختلف ،و عبر الاستذكار والاستحضار لكل ما مًر من أحداث في مخيلة تلك الفتاة ،و دار البوح الجريح ، في أرجاء ذلك المكان الضيق ـ البيت ،الذي يصور سجنا حقيقيا ،فوصل الى كل الأماكن ، واستطاع أن ينقل ذلك الاغتيال ، الذي يخيم على الأجساد و النفوس ،و ذلك عبر ذاكرة ،لن تنساه حيث نقلته الممثلة باقتدار، فأضاءت رحلة العذاب الفلسطيني ،الذي ينتقل فيها القتل، زائرا لكل الأماكن، مغتالا لكل الأشياء ،البشر كما الحجر ، و قد مًر البوح ،على كل ما يعانيه هؤلاء الفلسطنين تحت الحصار، الذي يتجاوز الغربة و التشرد، وذاك الحصار يزدحم فيه اعتقال الناس، و خوف الناس وحرمانهم ،النيل من كراماتهم ، هذا عدا عن تصوير تخلف تلك البيئة ،التي تظلم المرأة رغم كل ذلك ،فقد تذكرت بطلة العرض أيضا (مريم) التي قتلها أخاها لمجرد الشك بها،حيث لم ينس صناع العمل الغوص في قضايا اجتماعية ظالمة ، وإن كان العرض يركز على الأكثر على القضية الوطنية،ليلفت النظر من جهة أخرى إلى تخلف من شأنه أن يترك أثره على كل القضايا ،لان ماحصل لتلك المرأة هو ظلم كبير ،فاصطف الى جانب ذكرياتها الأليمة ، لان الشخصية تابعت تداعيات الأوجاع ، وبعدها انتقلت في سلسلة سردها، إلى ضيعتها القديمة التي دمرها العدو الاسرائيلي ،ثم مخيمها قبل أن تعود إلى رام الله، فقد تذكرت ،أنهم دمروا خمس مئة قرية فلسطينية، غابت عن الوجود، لكن العرض أيضا يتجه كغيره من الأعمال إلى بوصلته الأهم ،وهي المقاومة بما تعنيه هذه الكلمة ،من التحدي و الصمود و التمسك بالعودة، رغم كل المعاناة، فالإرادة باقية و مفاتيح البيوت مخبئة بين جوانح القلب .باقية ما بقيت حياتهم،على الرغم من كل ما يحصل .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية