تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


هل غابت الألحان وضاعت الكلمة؟!

ثقافة
الثلاثاء 6-11-2012
تحقيق: عمار النعمة

ما نعلمه جميعاً أن سورية مصنع النجوم ومكتبة الإذاعة تشهد على ذلك ففي الستينيات والسبعينيات كانت سورية بمثابة البيت الذي احتضن العديد من الفنانين والملحنين وكتّاب الكلمة وهم كُثر...

اليوم يبدو أن الموازين قد اختلفت فاللحن غاب والكلمة ضاعت ولم يبق سوى المتسلقين على الفن الذين باتوا يكتبون ويلحنون ويغنون ويسمعون!! وهنا نسأل أين الملحن الذي كان سيد الأغنية؟ وهل حلت الألحان السريعة مكانه؟ ومن بقي لنا من الملحنين ؟ وكيف هو حال الأغنية السورية اليوم؟‏

أسئلة كثيرة حاولنا الإجابة عليها من بعض المهتمين في هذا المجال فكانت لنا اللقاءات التالية:‏

سهيل عرفة:‏

(لانريد أن نصنع نجوماً)‏

الملحن سهيل عرفة أكد أنه لوكان هذا الزمن جميلاً لما بكينا على الماضي فالفن كان في الماضي أفضل بكثير من الآن ونشاط الدراما قد تنشّط اليوم بسبب دخول القطاع الخاص, ولو تم تفعيل قانون حقوق المؤلف الذي صدر لكانت معظم الشركات جاءت إلينا لتنتج وكانت الأغنية قد ازدهرت لاسيما وأن هناك إنتاجاً يومياً في البلاد العربية وآلاف الألحان المتشابهة.‏

وقال عرفة: يوجد لدينا ملحنون ولكن هذا الجيل تربى على الأغاني التي تصوّر في (غرفة النوم) وتُكتب وتلحن بابتذال والسبب أنه لايوجد رقابة على هذه الشركات بينما في الماضي كان هناك رقابة على النص والكلمات, وكنا نجلس نلحن الأغنية شهرين أو ثلاثة بينما الآن يلحنون بعشر دقائق, وبالتأكيد هذه الألحان لن تصل إلى المستمع, ولو خضعت للجان التحكيم لن تقبل..‏

أيضاً التلفزيون السوري كان متبني الأغنية فهناك دائرة المنوعات وبرامج أسبوعية وحفلات قد استغنى عنها التلفزيون في الوقت الحالي, وبالتالي الجميع مسؤولون والإدارة مسؤولة, أيضاً الإعلام مقصر تماماً, فنحن لانريد أن نصنع نجوماً والدليل أن المطرب يذهب للخارج ليصّدر نفسه ويعود.‏

وأضاف عرفة: لحنت للمطربة صباح أكثر من عشرين أغنية وللفنان وديع الصافي خمسة عشر أغنية تقريباً وللفنانة سميرة توفيق والفنان نصري شمس الدين, كما لحنت لمعظم السوريين وتعاملت مع المصريين (عبد المطلب – نيلي – شادية ) أيضاً لحنت أغنية (غنوا معنا يا أطفال العالم ) كلمات عيسى أيوب, فازت بالعديد من الجوائز العالمية وكان يقولون لي هذه الأغنية فيها سحر الشرق, وكان هدفي ومشروعي هو خدمة الأغنية السورية وتصديرها, وكان آنذاك لدينا العديد من الملحنين الهامين أمثال عبد الفتاح سكر ومحمد محسن وغيرهم كانوا بمثابة حراس على الأغنية السورية.‏

أيضاً هناك ملحنون جيدون من الشباب الآن نذكر منهم: (يوسف العلي – خالد حيدر – صديق دمشقي, بالإضافة إلى بعض المطربين الذين يغنون ويلحنون مثال:عبد الرزاق محمد – يونس محمد – عصمت رشيد..الخ)‏

وحول الأغنية السورية قال عرفة:‏

الأغنية الموجودة في مكتبة الإذاعة لاتزال على قيد الحياة والأغاني التي تنتج الآن لاندري مامستقبلها ولكن برأي لا مستقبل لها !! فنحن الآن في عصر الصورة, والتلفزيون متخلٍ تماماً عن الأغاني الأصيلة وأنا أرى أنه المتهم الأول والأخير بعدم العرض, أما الإذاعة فهي لاتزال تنتج على الرغم من ميزانيتها المتواضعة ولكن أيضاً بشكل متواضع..‏

مختتماً بالقول: الإذاعة هي الأم الحقيقية للفنان, هي التي ربّتنا وخرّجت ملحنين ومعدين... إذاعة دمشق تاريخ حقيقي نعتز به..‏

أمين خياط:‏

(لايهمهم نشر الأغنية السورية)‏

الملحن والموسيقي أمين خياط أكد بأن الملحن مازال موجوداً فهو العصب الأساسي للأغنية وأساس انطلاقتها وهو الذي يحرك معنى الكلمات ويقوم بإيصالها للمستمع ولكن معظم الفضائيات والإذاعات لاتضع اسم الكاتب والملحن، مشيراً بأن إذاعة صوت العرب في القاهرة هي الوحيدة التي لاتزال تهتم في هذا الموضوع..‏

وقال: من يقوم بالألحان السريعة هم ليسوا ملحنين فهم لايصنعون ألحاناً من ذاتهم وأنا أطرح مثال:90% من الألحان اللبنانية هي ألحان تركية بمعنى يأتي الملحن باللحن ويركب الكلمات عليه وينسبه إليه, حتى إن هناك بعض الشباب لدينا يأخذون من الفلكلور ويدّعون أنها ألحانهم ولذلك فإن الملحن الحقيقي هو المبدع الذي يجتهد ملياً كي يخرج بلحن جيد يصل إلى المستمع بشكل جميل, ومن هؤلاء على سبيل المثال: كاظم الساهر فهو يتعب كثيراً على الأغنية وبالتالي يعطيك جمل لحنية جميلة.. أيضا ملحم بركات, ومن الملحنين الشباب السوريين يوجد مواهب جيدة نذكر: إيهاب مرادني.. سعد الحسيني..الخ‏

وأضاف خياط: منذ 10 سنوات أو أكثر نحن لانقدم المنوعات حتى إن دائرة المنوعات قد ألغيت !! وهذا ماجعل الموسيقا تبتعد عن الساحة على الرغم من وجودها داخل روحنا, ففي السبعينيات كنت أقوم بثلاثة برامج منوعات وقدمت من خلالهم مجموعة من الفنانين السوريين ولكن إذا لم يكن هناك شاشة تظهر هؤلاء وتكرس لهم الخدمة حتى يتعرف عليهم المشاهدون كيف نصنع موسيقا أو أغنية..‏

لحنت قصيدة (وبعد صبري يادنيا التقينا) للشاعر صالح هواري غناء فاتن حناوي, (تعيش يابلدي) غناء فهد بلان, (عمار يابلدي عمار) غناء فايزة إبراهيم, بالإضافة إلى مجموعة من الأغاني التي قام بغنائها الفنان خلدون حناوي.‏

وحول أزمة الأغنية السورية قال: أنا عندما أنتج أغنية وبعد أيام يقومون بسرقتها فأنا سأتوقف وهذا سبب هام لعدم ترويج الأغنية والسبب أن قانون حماية المؤلف قد تم وللأسف لم يُطبق..‏

أيضاً نحن لدينا فنانون هامون وملحنون وكتّاب كلمة ولكن لم يتح لهم الفرصة لتقديمهم عبر الإذاعة والتلفزيون والسبب أنه ينقصنا فكرة صناعة النجم بالإضافة إلى أنه لايوجد لدينا شاشة كي تعرض الأغاني, والإذاعة تسجل أغاني جديدة ولكن البرامج محصورة بالعناصر الضيقة فيها فالمعد والمقدم يتحكمون بالعرض ولايهمهم كثيراً نشر الأغنية السورية.. ولكن للإنصاف حالياً إذاعة صوت الشعب بدأت تركّز على الأغنية السورية وإنتاج دائرة الموسيقا وهذا يدعو للتفاؤل ولكن لو كان هذا الأمر موجوداً منذ زمن لانتشرت الأغنية بشكل أفضل بكثير.‏

(جيل آخر )‏

هيثم أمين:‏

(البناء الموسيقي في المدارس)‏

الموسيقي هيثم أمين مدير معهد شبيبة الأسد للموسيقا قال: للأسف إن مرحلة التلحين قد تحولت إلى مرحلة مادية, فالمطرب أصبح يختار الملحن الذي يريده من اجل تلحين أغنية مقابل اجر معين...‏

في الماضي كان الملحن يبحث عن لحنه وينافس فيه بقية الملحنين وكان يقوم باختيار المغني الذي سيغني له هذا اللحن, ولهذا لايدفع المغني شيئاً للملحن وإنما كان الأخير يدفع حتى يظهر لحنه, حتى في البلاد الأوروبية كان هناك مبارزة بين الملحنين ومن اجل ذلك خُلقت القوالب الموسيقية للتأليف الموسيقي الخاصة بالغربي مثل السيمفونية وغيرها ووضعوا لها قواعد حتى يعرفون قدرات المؤلف ماذا يفعل وكيف يُقنع العالم بقدراته التأليفية والهارمونية بهذا الموضوع..‏

للأسف الآن لا نرى ملحنين, لا يوجد جملة جميلة, نحن دخلنا عالم ثاني وهو (الهارموني) عالم الانسجام الكامل مع الفرقة،وعلى سبيل المثال: الحان فيروز كانت بسيطة وجميلة والفنان زياد الرحباني حوّلها إلى اوركسترا كي يجعل المشاهد يرى اللحن الصغير كيف يكون مع المجموعة بمعنى بقيت الجملة اللحنية وأضاف لها المجموع من أجل إعطائها القيمة الموسيقية للعمل الجماعي.‏

وأضاف أمين: إذا كان اللحن سريعاً لايكون متقناً تماماً لان اللحن المتقن يحتاج إلى وقت وربما يأخذ سنوات وبالتالي يصل كما أراده الملحن وبكل صدق أما إذا كان سريعا فهو سيذهب بسرعة والدليل لماذا نحن نسمع أم كلثوم أو عبد الحليم السبب أن هناك جهداً واضحاً على الجملة اللحنية.. وهنا أود أن أشير بأنني مع فكرة اقتباس الألحان الغربية والشرقية فعلى سبيل المثال: عندما أخذ (الرحابنة) مقطع من سيمفونية (41موزارت - أنا يا أنا وياك) هم عرّفوا العرب على الألحان الغربية في حين إن البعض يقول بأنها سرقة أما أنا فلا أرى ذلك, وأنا مع فكرة وصول الألحان إلى الآخر بمعنى اللحن الجميل أيّ كان يجب أن يصل.‏

وحول الملحنين الجيدين قال أمين: يعجبني الملحن صلاح الشرنوبي فهو يعطي الصيغة الشرقية الجميلة, ومايهمني هو توالف اللحن مع الأغنية فاللحن والكلمة والصوت حلقة واحدة لايمكن فصل واحدة عن الأخرى أيضاً الملحن سهيل عرفة وخصوصاً عندما لحّن قصيدة (من قاسيون أطل ياوطني) فهو ربط اللحن بحضارة سورية..‏

أما الأغنية السورية فهي في تراجع والسبب أن البعض لايحبون الغناء باللهجة السورية ويفضلون الغناء باللهجة اللبنانية والمصرية بالإضافة إلى أنها لم تعط حقها لافي الكلمة ولا في اللحن, وبالتالي يجب أن يكون هناك جوائز تشجيعية لكتابة الأغنية السورية, بمعنى يجب على الجهات المعنية أن تقوم بمسابقة كل عام لهذه الأغنية.. ويتم طرح كلمات معينة ويكون هناك منافسة جدّية بين الملحنين ويبدأ الملحن بالبحث عن مطرب يؤدي له الأغنية, أيضاً يجب الاهتمام بالقوالب القديمة والاستفادة منها وبذلك نجعل العالم يلتفت لتراثنا ولا نقوم بشيء مشابه, أما الأهم من ذلك فهو البناء الموسيقي في المدارس فما نراه أن وسائل الإعلام فقط هي التي تروج للموسيقا والألحان والمطربين.. وبهذه الطريقة نوجه الأطفال ونعلمهم ونخلق جيلاً مثقفاً يسمع ألحاناً جميلة وهذا هو الحل الوحيد لإصلاح الموسيقا العربية.‏

نزيه أسعد:‏

(العلاقة بين الملحن والمستمع معدومة!!)‏

الموزع الموسيقي نزيه أسعد أشار إلى أن الجمهور في الماضي كان يجلس في المسرح لساعات طويلة وهو ينصت بشغف إلى الموسيقا الجميلة والألحان العذبة التي يتذوقونها بكل حب وهذا دليل على أن الناس كانت تعشق الموسيقا والألحان التي تحمل في داخلها الروح التي لم تعد موجودة في زمننا هذا فاليوم اختلف الأمر وأصبحت التكنولوجيا هي الأساس في كل شيء, باتت العلاقة بين الملحن والمستمع معدومة،وهناك بعض الملحنين يأتون بموسيقا غربية ويضعونها في الموسيقا العربية وهذا يشوّه موسيقانا.‏

وقال أسعد: لحنت العديد من الأعمال المسرحية والغنائية, أغاني سكتشات لها علاقة بالشهيد – فرق شعبية..الخ ولكن من الملحنين الذين تركوا بصمة حقيقية هم (نجيب السراج – معن دندشي).. فهؤلاء أقلعوا بالأغنية السورية وأعطوها هوية حقيقية فهم عاشوا تفاصيل حياتية نقلوها إلى الموسيقا وجاء بعدهم أساتذة حملوا رسالتهم بإخلاص كعبد الفتاح سكر وغيره..‏

نحن كشباب استلمنا الأغنية السورية في مرحلة الإهمال والأزمة, أصبحنا نهتم بالتوزيع وماهي الآلات التي سنستخدمها في الأغنية, وأنه كلما كبِرَ حجم الفرقة كلما حققنا نجاحاً أكبر علماً أن الأغنية السورية هي من أجمل الأغاني وتحتوي كلمات رائعة ومن الممكن أن تعزفها على آلة العود فقط.‏

إذن: هناك تقصير ولكنه مشترك أي الجميع يتحمل المسؤولية ولكن أنا أرى أنه من الضروري إقامة مهرجانات وبرامج فنية للأغنية يقوم بها مختصين بالشعر والألحان ويضعون فيها شروطاً أكاديمية للقبول وقوالب خاصة للأغنية, أيضاً علينا الاستفادة من الخبرات التي سبقتنا‏

مختتما بالقول: تواصلوا مع ماضي سورية الحضارة ونحن الجسر الذي سيصل الماضي بالحاضر.‏

رياض مرعشلي:‏

(فُقدت الروح وأصبحت الأغاني متشابهة)‏

رياض مرعشلي ملحن وكاتب أغنية أشار إلى أن الأغنية الحديثة لا تحتوي على الجملة اللحنية الجميلة, بل فيها إيقاع وصوت موسيقا, ويعزو ذلك إلى أن الملحنين في الماضي كانوا يلحنون على آلة العود وأحياناً يجلس الملحن شهراً أو أكثر لتلحين أغنية, بينما اليوم أصبحوا يعتمدون على التكنولوجيا الحديثة, وربما يكون للملحن مئة أغنية على سبيل المثال وينساها بعد انتهائه من التلحين لأنه لم يعش الحالة وبالتالي فُقدت الروح وأصبحت الأغاني متشابهة مع بعضها البعض حتى أن الجيل الذي يسمع لم يربى على الأغنية الراقية..‏

وقال:الأغنية السورية في الماضي كانت موجودة, الآن طغت الأغنية اللبنانية والمصرية ولا أدري لماذا اختفت ؟ حتى أن بعض المطربين السوريين من أبناء جيلي قد اختفوا أيضاً علماً أن هناك الكثير من الأصوات الجميلة لدينا ولكن ما هو معروف أن مَن يصنع المطرب هو الإعلام فإذا لم يظهره التلفزيون ويعرّفه أمام الجمهور لن يظهر وبالتالي نحن ليس لدينا دعم من الإعلام.‏

وأضاف:‏

والدي قدم لي الدعم فهو كاتب وملحن يكتب نقداً شعبياً (المونولوج) وأنا عشت في هذا الجو وتأثرت فيه وأصبحت أكتب هذا النوع الذي انقرض نوعاً ما, ولذلك حاولت المزج بين الشعبي وبين الأغنية السياسية فقدمت بهذا الخليط الفكرة التي تخاطب الناس البسيطين عن مشاكلهم الاجتماعية.بالإضافة إلى النقد..‏

كما قمت بتلحين وكتابة العديد من الأعمال (موسيقا تصويرية.. فرقة نشاز.. وضعت أغاني المنهاج التربوي للأطفال.. )ولأنني ادرّس منذ عشرين عاماً في مسرح الأطفال خلطت بين المسرح والموسيقا فقدمت مسرحيات غنائية عديدة على سبيل المثال: (مسرحية طوق الياسمين لفرقة أورنينا كتبتها ولحنتها بالإضافة لمسلسلات دراما...‏

***‏

في الختام نقول:‏

شجون وهموم تحدث عنها أهل الفن، فعلى الرغم من الصعوبات أثنوا على أننا لانزال نمتلك الملحنين والشعراء وكتّاب الكلمة ولكن ما ينقصنا حقيقة هو دعم الإعلام والإعلان والجهات المعنية.. فهل من حلول ؟!!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية