تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الأردوغانية.. وعمى القلب نحو سورية!

شؤون سياسية
الثلاثاء 14-8-2012
بقلم: محمد باقر شري

كانت لعبة الأمم بأظافرها الداخلية ووسائلها الخارجية الجهنمية المجردة من الأخلاق قد أعدت لدمشق مفاجأتين اعتبرتهما قاصمتين للظهر أولاهما نجاحها بإعداد عناصر معادية وصلت إلى درجة التسلح والتدريب على فتنة داخلية وحرب أهلية,

وثانيهما جعل دولة جارة لسورية كانت قد وصلت علاقاتها معها درجة عالية من التفهم والتفاهم وكانت قاصمة الظهر المطلوبة من دول الجوار يمكن أن تأتي من جارة واحدة بحجم تركيا كافية, ولكن لعبة الأمم لاترضى بأن يكون جار معاد لسورية منفرداً- وكأنه من المتوجب عليها من جانب لعبة الأمم اعداد عملية جماعية لإرباك سورية- بحيث تأتيها رياح السموم من أربعة حدودها: تركيا والعراق وشمال لبنان إضافة إلى الأردن وهكذا بدلاً من أن تتطلب عملية الاختراق جهة حدودية واحدة تأتي منها رياح السموم وقد عم الخرق الذي هو اشبه بالغدر من الجهات الأربع رغم علانية دخول مئات المسلحين من الحدود العراقية وماقيل أنه تسرب من حدود جارة يفترض أنها الأكثر مسالمة لسورية من جهاتها الأربع فإنها كلها مجتمعة لاتعادل تصريحاً معادياً يذكرنا بالفظاظة العثمانية التي عرفتها ديار الشام التي تشمل سورية ولبنان وفلسطين والاردن في زمن السلطة العثمانية, ومعروف أنه خلال تطوع الأتراك نيابة عن غيرهم فإنهم إذا لم يجدوا في طريقهم تمييزاً واضحاً في استهداف العدو تقصف طائراتهم جنودهم كما حدث بالفعل في الحرب الكورية عندما أراد الأتراك أن يثبتوا للأميركيين قدرتهم على سحق الكوريين أكثر من كل المتطوعين للقتال. إلى جانب الأميركيين فقد قصفت الطائرات التركية مجمعات آلاف الجنود الأتراك الذين قتلت منهم المئات في الغارات التركية ثم تبين أن جميع الضحايا كانوا من الجنود الأتراك! الذين لم تحتفل تركيا باعتبارهم شهداء يستحقون قراءة الفاتحة على أرواحهم ربما اخلاصاً لمبادىء اتاتورك التي تفصل بين الله والبشر وليس فقط بين الدين والدولة!‏

وهذا ينقلنا إلى حديث الساعة في تركيا التي يمتد توقيت عقار بها ليشمل في تأثيراته وانعكاساته التأمل في مستقبل مشروع الحرب الأهلية والتدميرية والتقسيمية التي أوكل إلى تركيا أن تكون أول من يغدر فيها بسورية علناً دون حاجة إلى اثبات لتدخلها استناداً إلى دليل يتمثل بموقف رئيس وزرائها الذي كدنا ننصره نحن العرب، أي كدنا نجعله مالئاً لفراغ غياب «ناصر» قيادياً رغم أن أردوغان بالكاد يعرف أو يقرأ في تاريخ تركيا السياسي الحديث أن عدنان مندريس السلف القديم لاردوغان «بطل» الحلف التركي- الباكستاني المعادي للنهضة العربية في ذلك الوقت الذي اختفت فيه تركيا بانفصال سورية عن مصر كراهية من جانب حكام تركيا في ذلك الوقت الذي ساووا في عدائهم الاسلام والعروبة وكانوا يخشون إذا قويت دولة الوحدة فاتسعت بحيث تشمل العراق وسائر أطراف الجزيرة العربية إلى جانب سورية ومصر أن يأتي يوم يسترد فيه السوريون اقليم هاتاي وهو الاسم التركي البديل للواء اسكندرون الذي ظن في يوم من الأيام أحد أيتام عهد فاروق في مصر- عندما كان البعض يأتي على ذكره بسبب الموقف الرسمي التركي العدائي للعرب- بأنه يرضي الجيش والثورة أو دولة الوحدة اللذين يقودهما عبد الناصر ويكون ذلك مسايرة منه للنظام، وعندما يذكر اسم لواء اسكندرون أمامه يتمتم قائلاً «الله يرحموا» وعندما يسألونه عما يعرف عن لواء اسكندرون يجيبهم «أصلو الشهيد اللواء اسكندرون كان رجلاً عظيماً»!.‏

ومعروف أن الرئيس بشار الأسد وقبله الرئيس حافظ الأسد عضا على الجراح بالنسبة للواء اسكندرون الذي سلخه الحكام الأتراك وليس الشعب التركي عن جسم الجمهورية العربية السورية قبل أن تنال سورية استقلالها وقبل خروجها من الانتداب الفرنسي رغبة منهما في عدم اثارة قضايا خلافية اضافية مع انقرة- رغبا صادقين في أن يكونا على أفضل علاقات مع أنقرة لدرجة تجنب الاتيان على ذكر لواء اسكندرون على لسانيهما لاسلباً وإيجاباً- لأنهما يعتبران إعادة تركيا إلى محيطها وجوارها العربي أمراً يعادل من حيث صداقتهما الحقيقية لتركيا وطي صفحة الماضي معها مكسباً لايقل أهمية عن المطالبة بحق سورية في استرداد لواء اسكندرون واعتبار طي صفحة الماضي الذي عاشته بلاد العرب تحت نير الالغاء العثماني للشخصية العربية وتنكروا في زمن اتاتورك الملقب أيضاً «بالغازي» مصطفى كمال تعظيماً له وهو الذي ألغى الحرف العربي من اللغة التركية وحتى من القرآن اعتقاداً منه أن استعمال الحروف العربية يجعل تركيا أكثر إسراعاً في السير قدماً على طريق الحضارة الأوروبية.‏

ورغم أن العرب عانوا من النير العثماني فقد حزنوا عندما سقطت روابطهم التراثية معها ولدرجة أن أمير الشعراء أحمد شوقي قال قصيدته المشهورة:‏

ياأخت اندلس عليك سلام‏

هوت الخلافة عنك والإسلام‏

وهو القائل في اتاتورك نفسه:‏

ياخالد الترك جدد خالد العرب‏

مفترضاً أن خالد العرب ترضى روحه بأن يشبه به خالد الترك ومفترضاً أن طورانية التعصب التركي تجعل اتاتورك يفرح بأن يشبه بخالد العرب.‏

وليس الوقت الآن وقت الاسترسال في ذكر وقائع سلبية بل يجب الدخول بعد الحديث عن بعض سيرة اتاتورك (ومعنى اتاتورك أبو الأتراك) فلننتقل الآن إلى مانحن بصدد محاولة تفسير ما حدث في أنقرة عندما استقالت هيئة الأركان كلها في الجيش التركي حيث ظن البعض أن هذه الهيئة العسكرية المستقيلة هي وحدها التي كانت تعتنق مبادئ اتاتورك في الجيش بل بعض الفضائيات التي تفسر الأحداث بمايلائم هواها وتستغل كل حدث يقع في العالمين العربي والإسلامي من زاوية تصيد الثغرات وإثارة الخلافات ، ومن شروطها لتفسير الحدث أن يكون فيه مايؤدي إلى فتن ومشكلات وخلافات وقد اعتبرت هذه الفضائية استقالة أركان الجيش بأنها إقالة لهؤلاء الضباط لكي يستبدلهم أردوغان وغول بضباط غير علمانيين وغيرمؤمنين بخط ونهج اتاتورك وفي نظر هذه الفضائية أن هذا التصنيف يكون صباً للزيت على نار الفتنة التي تأمل أن تقع بين الجيش والسياسيين في تركيا. وإن كان لايستبعد مخططاً من جهات لها مصلحة في إحداث الفوضى في تركيا وفي طليعتها الكيان الصهيوني الذي يسعى جاهداً للوقيعة بين المدنيين والعسكريين ويخشى عودة الوعي والأصالة بين القيادة التركية المدنية والعسكريين ووقوفها في وجه التسلل الإسرائيلي إلى مفاصل الدولة التركية كماكان في الماضي علماً أن الرأي العام التركي شأنه شأن الرأي العام على امتداد العالم الإسلامي له عواطفه الخاصة تجاه فلسطين وبيت المقدس يقف ضد سياسة التسلط الأجنبي على بلاد المسلمين واستطراداً على نحو أشد ضد السياسة الإسرائيلية .ومن يطلع على المخططات الصهيونية العنصرية الحاقدة التي تنوي إذا استطاعت أن تؤذي كل من يحاول أن يخرج على ماكانت تأمل من تعاون وتحالف - فاته حتى لوتراجع عن موقفه ولوكان مرشحاً رئاسياً في الولايات المتحدة أورئيساً كان يماشي سياساتها ثم خرج على تلك السياسات فهو حتى لو هادنها من جديد أو حتى لو أبدى استعداداً لإعادة التحالف معها فإنها تعيد التحالف مع الدولة التي ينتمي إليها ولكنها تهيئ له مصيراً أسود جزاء تفلته من براثن سياساتها التي تجسد الاستغلال والأنانية إلى أقصى حد.‏

وسوف يكون حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان مهما بلغت مكانته ساذجاً إذا اعتقد أن الكيان الصهيوني الذي أقام الأفراح لخروج تركيا من علاقاتها المكتسبة مع سورية لدرجة أن باراك إسرائيل تجرأ على إصدار التوجيهات لأردوغان بوجوب المساندة المباشرة للمعارضة في سورية . وحتى الآن ينحصر الخلاف ظاهرياً بين أنقرة والكيان الصهيوني في عدم اعتذار إسرائيل لتركيا عن قتل الناشطين الأتراك على ظهر الباخرة التركية مرمرة .‏

وفي اعتقادنا أن الجدل سيظل قائماً حول الاعتذار وعدم الاعتذار بينهما حتى إذا مااعتذرت اسرائيل يكون ذلك نصراً معنوياً لتركيا تكتفي به.‏

أما سياسات اسرائيل التي من أجلها كاد أردوغان يصفع رئيس اسرائيل شيمون بيريز في منتدى دافوس الاقتصادي احتجاجاً على وحشية اسرائيل ضد الفلسطينيين - حيث يبدو أن أردوغان قد تجاوزها وترك أمرها لوزير خارجيته أحمد أوغلو بحيث يتدبر صيغة مخففة لوضع نهاية سعيدة لها مع اسرائيل وسنردد هذه المرة أيضاً أن شأن تركيا مع سورية ينطبق عليه ماقاله سيد البلغاء (ع) : زهدك فيمن يرغب قلة حظ ورغبتك فيمن يزهد فيك عمى قلب .‏

فسورية ترغب بصداقة تركيا وهذا من قلة الحظ وتركيا تزهد في رغبة سورية وهذا عمى قلب يبدو أن الأتراك قد اختصوا به في هذا الزمن الرديء.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية