تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


المسرح الرمزي .. الضوء والموسيقا .. في خدمة العقل

مسرح
الثلاثاء 14-8-2012
لم تفهم طروحات كوردن كريك التي نشرها في كتابه (الفن المسرحي 1905) بشكلها الصحيح باعتباره قائد ثورة بصرية (ضد فوتوغرافية الواقع) في المذهب الواقعي بل سعى بقوة لاطلاق العنان لاستخدام الرمز والرمزية وتحفيز مخيلة المتلقي بالتفكير بما يقدم على الخشبة..

‏‏

وهو القائل (الجمال هو الحق، والحق هو الجمال)، في بحثه عن المسرح الرمزي والإصلاحي.. قدم الناقد أحمد سرجي.. إضاءات حول هذا المسرح.. وأهم معتنقيه:‏‏‏

أدولف ابيا، وكوردن كريك المسرحيان اللذان قادا الثورة (الشكلية) في منظور الشكل المسرحي على مستوى: الضوء والموسيقا والديكور ورسومات المناظر.. متأثرين (بالرمزية) التي أحدثت ثورة عارمة.. على مستوى الأدب.‏‏‏

صحيح أن الرمزية عندما نشأت في أواخر القرن التاسع عشر في فرنسا، قادها مسرحيون لا ينتمون إلى عالم المسرح أمثال مالارميه، فولان بودلير رفضوا ما جاء به رجال المذهب الطبيعي والواقعي.‏‏‏

ذهب الرمزيون المسرحيون لاعتبار أن الأدب والفن، مهمتهما إثارة الأسئلة، واستفزاز المخيلة، والإبهار من أجل تطوير الذائقة والحس الفني.‏‏‏

عدم التعاطي مع المتفرج بعقلية ساذجة.. فالهدف هو الترف الفكري، واللذة الفكرية المجردة، اللذة الآنية من الأسئلة تقلق عين وذهن المتلقي.‏‏‏

وعلى صعيد الإخراج والعرض المسرحي.. ركز الرمزيون على الجوانب الروحية. كان ابيا رجلاً مؤثراً في مجرى تطور الخشبة.. وكريك الذي ينحدر من عائلة فنية أبوه ممثل إنكليزي كبير - إدوارد وليم - وأمه إليانور أليس أعظم ممثلات المسرح الإنكليزي في جميع عصوره.‏‏‏

ارتبط كثيراً اسما ابيا وكريك معاً.. بدعوتهما للتخلي عن الفوتوغرافية التي تقدمها المسارح، لأن فيها قتلاً للفن والابداع.. ولقد دعوا للتخلي عن مبدأ التصوير الأيقوني للواقع وإلى طرح المسرح كفن له مرجعيته الخاصة.‏‏‏

اتفق كل من ابيا وكريك على مصدر إلهامهما وهو (فاجنر وموسيقا)، الذي دعا لعمل فني متكامل في المسرح ما يسمى (بالمسرح الشامل) والرؤية الجديدة لفن المستقبل، وهي إحدى أهم الركائز التي اتفق عليها (ابيا وكريك) دون أن يلتقيا.‏‏‏

إنهما صاحبا ثورة إصلاحية في المسرح آنذاك، ومعطياتها تستخدم للآن أو تبنى على طروحاتهما أغلب الاجتهادات الحديثة بالمسرح.‏‏‏

لقد سار ابيا على مسار أستاذه وملهمه فاجنر باهتمامه بالإضاءة والضوء حيث يعتبر الإضاءة من الوسائل التي تعطي للمكان والممثل قيمة تشكيلية كبيرة.. لقد أفرغ الخشبة من الإكسسوار وجعل الإضاءة بديلاً عن الديكور.‏‏‏

ويرى ابيا أن روح الموسيقا هي التي تعطي الروح للدراما، والتي تحدد التكوين البصري من انسجام وتتابع.. أدولف ابيا مصمم ديكور ومنظر مسرحي سويسري.‏‏‏

اتخذ ابيا منهجاً رمزياً مغرقاً بالرمزية مثل شريكه بالثورة البصرية لوردون كريك.. فكلاهما اهتم بإظهار العوالم الخفية من حياتنا انطلاقاً من الحلم الذي يعبر عما بدواخل الإنسان، والذي لا يمكن التعبير عنه إلا بالفن.‏‏‏

يرى ابيا في الموسيقا فناً مثالياً.. وتناغماً ما بين الموسيقا والحوار فيما يخص الموسيقا الأوبرالية، وكذلك التفصيلات الصغيرة في حركة الممثلين تلك النغمات الهارمونية التي تتخللها المشاهد، بالإضافة لتموجات الضوء، كل هذه العناصر كانت مصدر إبهار كبيراً له.‏‏‏

ويجد أن وظيفة الفن هي التعبير عن العوالم الداخلية للجمهور، وهذا يأتي فقط عن طريق الموسيقا.‏‏‏

كانت الموسيقا عند ابيا الشرارة لانطلاق مسار المسرح الحديث أو فن المستقبل، كانت طروحاته تسير في اتجاهات عدة منها الموسيقا، الضوء، العناصر التشكيلية.. وانصب مشروعه على خلق حالة التجانس أو الانسجام ما بين الديكور المرسوم والممثل.. لأن الممثل هو الذي يبعث الحياة في تلك الصورة من خلال حالة الانسجام.. لهذا ركز اهتمامه في نقطة المنتصف، ما بين مقدمة الخشبة والأرضية، كون هذه المنطقة من الخشبة ستكون بمواجهة المتفرج وبالتالي سيكون المتفرج تحت تأثير المشهد البصري، وستكون منطقة تواجد الممثل ومساحة لعبه هي الأرضية (خشبة المسرح).. بين قطع الديكور والرسومات.. كان هدفه من ذلك إدهاش المتفرج بصرياً من خلال تركيزه على منتصف الخشبة، باعتبارها أقوى نقطة في الخشبة.. وعين المتفرج تذهب لا إرادياً إلى المنتصف دائماً.‏‏‏

بالإضافة للموسيقا وجد حلولاً كثيرة وجريئة بما يتعلق بعناصر الإخراج التشكيلية والضوء أهمها، فأبهر الكثيرين باستخدامه (لسلايدات زجاجية ملونة) لإبراز الصور وفق وحدة ضوئية معينة، كذلك تغيير بيئة المكان من خلال استخدامه للون الذي يتطلبه المشهد وكانت هذه الطروحات أخذت أهميتها الكبيرة على الممثل الذي استطاع من خلال الألوان ومساقط الضوء الولوج لروح الشخصية التي يمثلها وطالما أن الضوء يحيله إلى الحالة التي يريد تجسيدها.. فسيكون ذلك حافزاً لإظهار التعبير الإنساني.‏‏‏

هذه الإصلاحات ورغم تقدم التكنولوجيا.. إلا أنها أصبحت الأرضية التي بنيت عليها هذه التكنولوجيا الضوئية على المسرح.. المسرح الذي جاء بعد ابيا.‏‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية