تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


عرض (وتبقى).. أسئلة اجتماعية مفتوحة ومستمرة..

مسرح
الثلاثاء 14-8-2012
آنا عزيز الخضر

قضية المرأة قضية قديمة حديثة، فهي إحدى القضايا الأهم، التي تجذب القائمين على الأعمال الفنية لمعالجتها، ذلك لكثرة ما تمتلك المرأة من إشكالات وصراعات ومصاعب، في كل اتجاهات حياتها كفرد اجتماعي وكإنسانة،

إن كان عبر علاقاتها بالرجل أم مع المجتمع أم مع القانون، وكانت المرأة المبدعة هي أكثر دقة على نقل واقعها، في أي منحى نقلته إلى عالم الفن، وقد كثرت التجارب النسائية في هذا السياق، إن كان عبر السينما أو الرواية أو التلفزيون والمسرح، وهاهي المرأة حاضرة بقوة، وعبر كافة المفردات في عرض (وتبقى) فتروي حكايات عدة بقالب مسرحي خاص، من تأليف وإخراج (ليزا نصير) على صالة مسرح (نبيل يونس) فاستطاعت هي والفنانات السوريات الأخريات اللواتي قمن بأداء الأدوار المختلفة والكثيرة، تصوير الكثير من الوقائع، حيث كل منهن قدمت مشكلة في مساحة من مساحات حياتنا، وإن تغيرت الوقائع من واقع امرأة إلى أخرى، لكن كان لكل واحدة منهن معاناة في اتجاه ما، فروت لنا همومها، التي عكست من خلالها وضع المرأة ككل، إن كان في حرمان البعض من التعليم أو النظرة الدونية التي تربى الرجل على رؤية المرأة عبرها، أو نظرة المجتمع ككل، التي تراها كدمية فقط، فهي مظلومة أينما اتجهت، وإن أفلتت بعض البيئات من آليات التفكير المتحجرة، إلا أن المجتمع يربي ويحكم المرأة بآلية خاصة.‏‏

قدم العرض أفكاره بآلية فنية، اعتمدت على حلول إخراجية متنوعة، أضفت بحضورها جماليات بصرية ومشاهد درامية، أطرت مقولاتها بشكل دقيق وأخاذ، كما استخدمت الإضاءة ووظفت بطريقة ذكية ومعبرة، عبر اختلاف درجاتها وسطوعها في مكان دون آخر، ثم متابعة شخصيات العرض، للإيحاء بتداخل مشكلاتهن ، هذا عدا العلاقة التي تربط الضوء بالظلام، وهاهي تستخدم قي نفس السياق، للانتقال من بقعة ضوء إلى أخرى، وكل بقعة يتم تسليط الضوء فيها على مشكلة من المشكلات، تلك التي تزاحمت في العرض، وتنوعت، كما أظهرت كيف تدفع تلك المرأة الثمن نفسياً ومعنوياً، كي تنتقل فاتورتها الثقيلة تلك إلى الآخرين، وقد اتضح نفس الجانب بشكل أكبر، عندما اجتمعت معاناة الرجل والمرأة، بين الأسئلة والأجوبة، التي تتكرر دائماً وأبداً في علاقتهما، فالمعاناة تخيم عليهما كبشر، فلم يوجه العرض أصابع الاتهام إلى الرجل فقط، ليكون المجتمع ككل هو المسؤول، رغم وجود عبارة كررها الرجل الوحيد في العرض، عندما يروي أيضاً ويتساءل عن الظلم الذي وقع فيه، منذ علاقة آدم وحواء، وقد تسللت تلك العبارة عبر كل اللوحات المنفصلة، والتي ارتبطت ببعضها، تحت عنوان الظلم الكبير، الذي تعيشه المرأة في علاقتها الأبدية مع آدم أيضاً، فآدم جسد شخصيته في كل اللوحات ممثل وحيد، جسد شخصيات كافة الرجال المتعددة في العرض، أمام النساء الكثيرات، وشكا في أحيان كثيرة، ليظهر أن الظلم لم يقع عليها وحدها، لذلك يبرز سؤال هام من المتهم إذاً ..هل هي البيئة الاجتماعية الحاملة لعادات وتقاليد وبيئة تتمسك بها تحت عناوين عديدة وتحت ثقل موروث ثقيل وطويل، فالاثنان يعيشان المعاناة من دون مقدرة على الحل أو الخلاص، لكن المرأة تتحمل الجزء الأكبر من ذلك الموروث، ويعيد العرض تدويرها عبر أشكال متعددة، إذ تظهر كل امرأة منهن، كي تسرد ما عندها بأسلوب البوح أو الشكوى أو المخاطبة للجمهور بالشكل المباشر، أحيان أخرى تعود إلى قصتها الحقيقية، ليتم تجسيدها مسرحياً، انطلاقاً من تلك الشابة التي زوجتها امرأة أبيها وباعتها لرجل غني، مرورا بإخراج تلك الفتاة المتفوقة من المدرسة خوفا عليها، وعلى أساس حمايتها، مروراً بالطرح لقصة تلك الفتاة التي خافت على مظهرها، وخلق عندها عقدة، أصبحت هماً دائماً، بسبب نظرة المجتمع التي تعتمد على مظهر المرأة لاالجوهر، وكأنها بلا روح، مضافاً إلى الضغوط الكثيرة، التي تمارس على الفتاة في اتجاهات حياتية واجتماعية عدة، حيث أعيدت تلك الحكايا مسرحياً، وكلوحات تتضمن ذاكرة وشخصيات وقضايا، تطرح عبر المسرح، وأثناء قصة كل واحدة منهن، كان دائما في الخلف نساء أخريات منتظرات تلك الرواية، يعشن الهموم مع تلك القصة الراهنة، مضافاً إلى شاشة خلفية، تنعكس عليها اللوحات والمشاهد المتعددة، وذلك بهدف تعميم تلك الآليات والظروف والهموم على مساحات أوسع، حيث جسد هذا الحل الفني حلاً إخراجياً متميزاً، دمج بين جمالية بصرية، ترجمت مفاهيم كثيرة، وعممت حالات، كي تعبر عن بيئات اجتماعية عديدة، أرادت مجموعة العمل منها، التصوير لمشكلة المرأة بشكل يشمل العديد من قضاياها متضمناً محيطها الاجتماعي ككل، ومنتقداً تلك البيئة التي تشكل التربة الخصبة لذاك الظلم، مانحاً بنفس الوقت أبعاداً أكثر عمقاً للعرض وأفكاره، حيث عرض وضع المرأة وواقعها على لسانها ولسان الرجل أيضا، إنهم شركاء في الحياة والمشاعر والطموحات، ما يحيل مقولة العرض إلى دعوة إنسانية غنية، تتساءل لماذا يكون الواقع على هذه الحالة..؟ ومنها إلى دعوة تالية تهدف إلى المراجعة لكل تفاصيل حياتنا، وضرورة الوقوف عند قضايا المرأة، فلماذا النظر إليها بهذه الدونية..؟ ولماذا الاعتداء على حقوقها كفرد في المجتمع وكإنسان..؟ طالما أن النتائج تعود بالسلب على الجميع، وتبقى هذه المعضلة مستمرة في الحاضر كما في الماضي، وصولاً إلى المستقبل، إن لم تتحرر المرأة والرجل من تلك القيود الكثيرة، لذلك تبقى الأسئلة مفتوحة ومستمرة، وتبقى تلك القضية معلقة كما هي.‏‏

الممثلون (مدين حدو) (رزان عزام) (رولا طهماز) (ليزا نصير) (فيحاء أبو حامد).‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية