|
فضاءات ثقافية قام بها وقدّم لها المترجم والشاعر التونسي علي اللواتي.. مضمّناً مقدمته كشفاً للجوانب الشعرية لدى بيرس، بأبعادها العالمية، و خصوصيتها الإبداعية.. كما يشتمل الإصدار على نص الكلمة التي كان الشاعر الفرنسي الشهير ألقاها في احتفال استلامه لجائزة نوبل. ولد ألكسي ليجيه (الاسم الأصلي لبيرس) عام 1887، في جزيرة (سان ليجيه لي فون) المستعمرة الفرنسية في بحر الكاريبي. رحلت العائلة من الجزيرة إلى فرنسا إثر زلزال أصابها عام 1897 لتقيم في مدينة (بو) وهناك تابع ألكسي دراسته الثانوية، ثم انتسب لكلية الحقوق في مدينة (بوردو).. ولتكون سنوات الدراسة الجامعية سنوات الانفتاح على مختلف فروع الثقافة من فن، موسيقا، فلسفة، وغيرها. بعد الجامعة التحق عام 1914 بوزارة الخارجية، وتولّى مناصب دبلوماسية مكّنته من السفر إلى أماكن عدّة. وعلى الرغم من قدر الترحال الذي كان من نصيب بيرس إلا أنه عُرِف بالعزلة والغياب. ألان بوسكييه، كاتب سيرة الشاعر الفرنسي، يقول بهذا الخصوص: جعله قدره المفرد والمترحل يبتعد من حيث الرؤية وخصوصية المعالجة عن معاصريه من شعراء النصف الأول من القرن العشرين من أمثال: بول فاليري، غارسيا لوركا، فرناندو بيسوا، كافافيس، ماياكوفسكي. و كأنما كان للتنقلات الجغرافية المتعددة التي عاشها بيرس دور في زيادة انغماسه في العالم.. فأعاد صياغة التزامه بهموم العالم شعرياً.. على الرغم من صفة العزلة التي لازمته. اللافت لدى الشاعر تلك الفترات الزمنية الفاصلة بين إصدار وآخر يقوم به. فقد نشر كتابه الشعري الأول (مدائح) سنة 1911 باسمه الحقيقي (ليجيه). لم يعاود إصدار أي شيء طوال ثلاث عشرة سنة.. فترة زمنية ابتعد خلالها عن التيارات الفكرية الثقافية التي سادت حينذاك من دادائية وسريالية وغيرها. سنة 1924 أصدر كتابه الثاني (صداقة أمير) باسم سان جون بيرس، اللقب الذي لازمه خلال رحلته الإبداعية، نشر في الفترة نفسها قصيدته (أناباز) التي جعلت شهرته عالمية، ثم ليعود إلى الصمت طوال ثمانية عشر عاماً.. إلى أن طالع متابعيه بقصيدة (المنفى) التي نشرها بذات الوقت في ثلاثة مدن عالمية: شيكاغو، بيونيس آيريس، ومرسيليا. تتالت بعدها إصداراته من قصائد (أمطار، ثلوج، رياح). أُبعد الشاعر من منصبه الدبلوماسي عام 1940، لينتقل إلى منصب مستشار أدبي في الكونغرس بواشنطن، وحاضر في جامعة هارفرد. توفي عام 1975 وكان قبل وفاته بثلاث سنوات أصدر أعماله الكاملة عن دار غاليمار. فنيّاً وتقنيّاً: أسس الشاعر لبناء شعري جديد جعل له صوتاً خاصاً في الخوض الشعري الفرنسي. استعاض عن البيت الشعري بالمقطع الشعري، واستبدل بحور الشعر الفرنسي التقليدية بإيقاعات متتالية.. لربما تجاوز طولها البيت التقليدي أو لربما قصر عنه. إضافة إلى ميزة كسر الحدود الفاصلة بين الشعر والنثر.. فالكتابة لديه تعبير عن تجربة إنسانية محضة. ويمكن ملاحظة ميزة استغراقه في تأمّل مكوّنات الطبيعة.. اتّحاده بها.. لدى قراءة إحدى قصائده (منارات) التي ترجمها أدونيس.. نلاحظ اتحاده بالبحر (سيد السرير، أنت يا حبي، كمثل سيد السفينة).. وهو بذلك يوثق لعلاقة مع مختلف مكونات البعد السري للعالم. يقول في إحدى القصائد التي ترجمها أدونيس: «يحيط بي البحر الشامل. الهاوية الملعونة نعيمٌ لي، و الانغماس فيها الهي. و النجمة التي لا وطن لها تشق طريقها في مرتفعات العصر الأخضر. وامتيازي في البحار هو أن أحلم لكم هذا الحلم عن طريق الواقع.. أسموني الغامض وكنت أسكن البرق». |
|