|
ثقافة
فاللوحة عندها تستعرض إيقاعات الأشكال والألوان، من خلال الاتجاه في أحيان كثيرة، نحو مظاهر اختصار واختزال العناصر (المعمارية والإنسانية والنباتية والحيوانية – الاسماك...) ودمجها بمزيد من البنى التشكيلية التجريدية والزخرفية أحيانا، لإعطاء المدى التشكيلي إضاءات جمالية معاصرة، وبالتالي لبلورة المظاهر المميزة لإيقاعات البنى الهندسية (المستطيل، الأقواس، الدائرة، الخطوط الافقية والشاقولية..) وفي هذا الإطار تعمل لإظهار التفاعل الحيوي العفوي، بين الخطوط والإيقاعات ودرجات اللون، وتشعبات الخطوط الملتوية والمنكسرة والمتعرجة، لإظهار الدلالات العفوية في مساحات التشكيل الهندسي. فهي تختصر الأشكال والعناصر، ولا تبقي منها إلا إشاراتها المبسطة والعفوية، وهي أكثر من ذلك تجعلها متداخلة مع المساحات التجريدية التي تشغل كامل مساحة اللوحة. إيقاعات البياض هكذا تختصر سارا أشكالها التعبيرية إلى مجرد كتل لونية، تتداخل مع المساحات التجريدية، التي تقدمها من خلال استخدام تقنية السطوح الخشنة، التي تساعد في بروز إيقاعات البياض، على الطبقات اللونية الخافتة أو المعتمة، في حين تبقى الأجزاء الأخرى من اللوحة، بعيدة عن الكثافة اللونية والتركيب الطبقي للون. فلوحاتها وإن اقتربت من التجريد، إلا أنها تبقى على اتصال بعناصر أو بإشارات الأشكال الواقعية، حيث توحي لوحاتها التعبيرية بأشكال من الواقع، وبالتالي فاللوحة في حالاتها المختلفة تتدرج ما بين اللمسة التعبيرية وتفتح الرؤية التجريدية، بين العقلنة والارتجال، وهي مرة تذهب إلى تقديم لوحة بحركات لونية انسيابية، تعتمد على اندفاعات فرشاة الرسم، في كل الاتجاهات، ومرات تتجه لتنظيم تعبيراتها الانفعالية بممارسة حريتها، ضمن توازنات مسطحة وهندسية، فتشكل لوحتها على أنها مشغولة بإحساس وعاطفة وانفعال، رغم مظاهر العقلنة الناتجة عن المساحات الهندسية، التي تعمل من خلالها لإظهار عنصر الموازنة والمواءمة بين المساحة والأخرى في اللوحة الواحدة.، من خلال العمل على «تقميش» مساحات اللون وتحريكه بلمسات اللون الابيض بحركات أفقية في أحيان كثيرة. ففي أكثر الحالات نجد ما يشبه الأشكال المربعة والمستطيلة والدائرية، التي تتجه إلى تغييب الأشكال المتداولة مع الإبقاء على روحها فقط، ويزداد هذا الشعور كلما ذهبت بألوانها نحو التسميك وإبراز خشونتها وتقديم لمسات انفعالية مفتوحة على معطيات ثقافة فنون العصر. تتراكم الحركات واللمسات والسماكات اللونية العفوية في اللوحة إذا لتظهر عوالم داخلية مكثفة عبر تكثيف المفردات التشكيلية، والعناصر الانسانية في اللوحة الواحدة. ومع ذلك تطمح إلى أن تكون لوحتها مدروسة وموزونة وبالتالي بعيدة عن الصياغات العبثية ومعطيات الصدفة. احتمالات رمزية فالبحث عن نسيج لوني عفوي فتح لوحات سارا على احتمالات تجريدية لمظاهر اختبارية تقنية، تستفيد من التعبيرية في مظاهر تحوير الأشكال والذهاب بها إلى أقصى حالات التبسيط والاختصار، وتستفيد من التجريدية في مظاهر الانحياز نحو المساحات اللونية التي تعمل على تغييب أشكال الواقع، لتصل في نهاية المطاف نحو صياغات فن الإشارة، في احتمالاته الرمزية والدلالية التي تكشف في جوهرها عن هاجس التعبير عن الحركة الداخلية الانفعالية، بإيقاعات لونية صاخبة أحياناً (ضربات الفرشاة السريعة) وهادئة أحياناً أخرى (المساحات اللونية الموحدة اللون) فالتجارب التشكيلية الحديثة (اللون بحركته التلقائية المتحررة، يبقى خاضعاً لرقابة العقل في اقصى حالات العفوية والاختصار والاختزال). ذلك أنها تقيم حواراً بين التآليف الطولانية والعرضية والهندسية، رغم ما تبرزه من تحرر ألوانها من تلك السلطة الهندسية المعتمدة ضمن إطار اللوحة. وهي حين تعمل على تحويل الصورة الواقعية إلى رموز تشكيلية، فإنها تعكس هواجس شاعرية مرتبطة بجماليات اللوحة الحديثة والمعاصرة، وهذا يفتح الباب على مصراعيه أمام التحليل والاجتهاد والتأويل اللامحدود. من خلال إضفاء التلقائية والعاطفية على إيقاعات حركة الألوان والخطوط، في عملية بناء عناصرها أو تأليف نصوصها التشكيلية الجانحة نحو الشاعرية البصرية، وهكذا تعمل لإظهار قدرتها على إيجاد إضافات جديدة لمنطلقات الدمج ما بين التراكمات الثقافية التي عالجت قضايا تقديم لوحة خاصة بأشكال معاصرة. تداخلات وسارا شيخي في ذلك تفتح نصوص مساحات لوحاتها، على احتمالات تعبيرية من خلال معالجة المواضيع المختلفة، وذلك بتحريك العناصر، بإضافات كولاجية أحيانا، تعكس هواجس التركيز على الإيهامات التركيبية، للوصول بالتآليف التشكيلي، إلى تداخلات تعبيرية وتجريدية، مطعمة بتقنية لونية عفوية، تتفاعل مع الفراغ والزمن، وتعبر عن روح الفنون الحديثة والمعاصرة. هكذا تبرز تنويعات التداخل بين إشارات الأشكال الانسانية والمعمارية وغيرها، والمساحات التجريدية، وهنا تتجلى حركة الإشارات البصرية التي تعيد صياغة الرؤى التشكيلية الجديدة. فالبحث عن مناخات مختصرة لتكاوين الأشكال الإنسانية والمعمارية والنباتية والعناصر الأخرى شكل في لوحاتها هواجس لاختبار الإيقاعات التشكيلية المتداولة في الفن الحديث، والقائمة على إلغاء الثرثرة التفصيلية، وإعطاء أهمية قصوى للإيقاع اللوني، والإبقاء على جوهر الحركة العفوية التي تجسد روح الشكل الواقعي، مع إعطاء أهمية للجوانب التشكيلية الهندسية، حيث نجد التقاطعات الأفقية والعمودية تطل في بعض لوحاته، التي تعمل فيها أيضاً على تخطي صفاء المساحة الذي رأيناه في لوحات أخرى، وهذا يعمل على كسر أناقة المساحة ويبعدها عن الإبهار الصالوني والتزييني. facebook.com/adib.makhzoum |
|