|
الثورة
فإن هذه التعقيدات، وما يليها من ذهول وتردد وانتظار لن تفيد شيئاً، ولن تغير في موضوع ما صار واضحاً أن سورية ذاهبة إليه، وكذلك دول الاستكبار والتسلط الاستعماري الماضية هي الأخرى في غيّها تجاه سورية، فحتى وإن تفاءل البعض بهدوء الأوضاع وعودة الأمور ولو تدريجياً إلى ما كانت عليه فقد كفانا استهتاراً بأنفسنا، والاندلاق والتعاطي المفرط والمجنون أحياناً وغير المحسوب جيداً مع تلك الكتلة الاقتصادية الغربية التافهة فعلاً والمنافقة، والبعيدة عن أي تعامل أخلاقي أو أدبي مع الدول لن يفيدنا، إذ لا تتوانى تلك الدول البغيضة عن الإطاحة بكل شيء بالقيم والأخلاق والاتفاقيات والعقود ومشاريع التنفيذ، لاتهمها العهود ولا تقيد نفسها بقيود، مصرة على أبشع أنواع الاستكبار فعلاً وعلى الخيانة في التعامل وعدم احترام الآخر، وما دامت التجارب تثبت لنا ذلك فليس لنا عقلياً ولا موضوعياً أن نتوقف عند الثقافات المتراكمة الرفيعة لتلك الدول، ولا عند تطوراتها وعلومها وتكنولوجياتها الضخمة إلا من قبيل الاطلاع، ونحن في حقيقة الأمر بالغنا كثيراً في الركون لمقومات تلك الدول المنحطّة أخلاقياً، وابتعدنا كثيراً عن الدول الأخرى التي لا تساوم على العهود والمواثيق، ولا يمكنها أن تفكر يوماً بالظلم ولا الخيانة، وهي دول قوية بما عندها أيضاً .. ثقافة وعلماً ونهوضاً وتكنولوجيا متطورة كفيلة لسد حاجاتنا وأكثر، فإلى أين نحن ذاهبون..؟ ولماذا الانجرار وراء دول الانحطاط والابتعاد عن دول القيم الإنسانية ..؟! من الغريب العجيب أن نركن ونستسلم لتلك العقدة النفسية التي نعانيها تجاه الغرب والذي لا يستأهل منّا أساساً أي التفاتة، لأنه لا يتردد عند أي موقف لا يعجبه في أن ينقضَّ علينا وعلى كراماتنا، فلا يريدنا أكثر من ألعوبة بين يديه، يأمرنا فننفذ، لنكون مجرد تابعين لا وجود لنا ولا كلمة ولا موقف ولا كرامة. هذه المفاهيم والحقائق يعرفها الجميع، وصرنا نلمسها وعلى المكشوف، ولذلك نقول كفانا استهتاراً بأنفسنا وكفانا تردداً وذهولاً، علينا أن ننسى هذا الغرب التافه ونتجه بإيمان وتصميم وقوة نحو الشرق الأصيل. صعوبة التحول الذي لا شك فيه هو أن التحوّل شرقاً لن يأتي هكذا بالتمني ولا بالتردد والذهول، إنه يحتاج إلى جهودٍ كبيرة مضنية وصادقة، وقبل ذلك إلى إيمان حقيقي بهذا الخيار الذي يجب أن يكون استراتيجياً لا مؤقتاً أو تكتيكياً، غير أن هذه الاحتياجات الحقيقية – وبكل أسف ، أي الجهود الصادقة والإيمان – ما تزال الكثير من النفوس غير جاهزةٍ لها على ما يبدو، وليس فقط كذلك بل هناك ( لوبي ) داخل سورية يعمل وبكل جدية على منع هذا الاتجاه نحو الشرق، وهذا ما أفصح عنه بوضوح نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية الدكتور قدري جميل في حديث إذاعي مؤخراً، وما دام الأمر كذلك فنحن إلى جمود وفشل في التعاطي الذكي مع الأزمة، والامتناع عن شق الطريق الصحيح نحو حلول مثلى لهذه الحالة التي صرنا في مهبِّ رياحها. صورة الواقع أما من حيث الواقع العملي لهذه المسألة فلو عدنا إلى الأرقام المعلنة للمكتب المركزي للإحصاء حول التجارة الخارجية في سورية خلال عام 2010 لرأينا أن قيمة الصادرات السورية بالكامل قد بلغت في ذلك العام ما يعادل نحو ( 569 ) مليار ليرة سورية، كان من بينها نحو ( 235 ) مليار ليرة صادرات للدول الأوروبية والسوق الأوروبية المشتركة، والولايات المتحدة الأمريكية التي حظيت وحدها على ( 18,4 ) مليار ليرة، كما حظيت أسواق أشرس الدول الأوروبية عدائية لسورية بأعلى قيم للصادرات السورية، فإلى ألمانيا صدرنا بقيمة ( 68,3 ) مليار ليرة، وإلى فرنسا بقيمة ( 22,4 ) مليار ليرة، فيما احتلت إيطاليا المركز الأول حيث جرى التصدير إليها بقيمة ( 70,3 ) مليار ليرة سورية، وبالتوازي مع هذا لا نجد سوى كميات ضئيلة من البضائع والسلع السورية التي توجهت إلى دول أوروبا الشرقية الصديقة فعلياً فإلى روسيا الاتحادية لم يتم تصدير سوى بقيمة ( 1,5 ) مليار ليرة، وإلى أوكرانيا أقل من ( 3 ) مليارات ليرة، وبلغاريا ( 1,6 ) مليار ليرة، والتشيك ( 7 ) ملايين ليرة فقط، وهنغاريا ( 60 ) مليون ليرة، وسلوفاكيا ( 17 ) مليون ليرة. في حين لم يتم تصدير بضائع وسلع سورية إلى الدول الآسيوية سوى بحجم ( 50,3 ) مليار ليرة، أبرزها ( 6,5 ) مليار ليرة لكوريا الجنوبية، و ( 3,7 ) مليار ليرة للصين، و ( 3,2 ) مليار ليرة لليابان، وما سوى ذلك فالأرقام ضعيفة جداً فإلى جورجيا صدرنا بقيمة ( 164,7 ) مليون ليرة، وإلى أندونيسيا ( 134,8 ) مليون ليرة، وإلى الهند ( 557 ) مليون ليرة، وإلى إيران ( 706 ) ملايين ليرة رغم كل العلاقات المميزة !! وإلى ماليزيا ( 61,8 ) مليون ليرة رغم كل العلاقات الطيبة !!، وإلى الباكستان ( 105,8 ) مليون ليرة، وتخيلوا إلى سنغافورة لم نصدر سوى بقيمة ( 14 ) مليون ليرة، وإلى تايلاند ( 11 ) مليون ليرة، وإلى سيريلانكا ( 2,4 ) مليون ليرة، وإلى الفيلبين ( 322 ) ألف ليرة فقط، ولكن صادراتنا إليها كانت أفضل من صادراتنا إلى منغوليا التي لم تتجاوز ( 83 ) ألف ليرة ..!! ماذا يعني ذلك ..؟ هذا يعني أننا منجرفون كثيراً باتجاه البحث والتنقيب عن تصريف لمنتجاتنا في أسواق الدول الغربية والمعادية لسورية إلى حدود الحقد الأسود، لدرجة أن حوالي نصف هذه الصادرات تذهب باتجاه هذه الدول، في الوقت الذي لا نصدّر فيه إلى دول آسيا الصديقة سوى أقل من عشر صادراتنا، وهنا يكمن الخلل الشديد الذي يحتاج إلى تلك الجهود والقناعات والتخلي عن أوهام الأهمية الفظيعة للتعامل مع الغرب. من المؤكد أنَّ استهلاك الأسواق الغربية للمزيد من بضائعنا يعكس جهوداً مضنية عند المنتجين من مختلف القطاعات حتى تمكنوا من اختراق تلك الأسواق وإقناع مستهلكيها من التعامل مع منتجاتنا، غير أن هذا ليس نهاية المطاف ولا نهاية النقاط التي لا يمكن التخلي عنها، فمن استطاع أن يفتح أسواق الغرب.. لن تصعب عليه أسواق الشرق والتي هي إلى حدٍّ كبير مُهيَّأة ومُرحِّبة بمنتجاتنا غير أننا نحن الذين نتخلى عن ذلك وبوضوح شديد. على كل حال نحن نرى أن على الحكومة أولاً أن لا تُبالي بما يذهب إليه قطاع الأعمال بشكل أوّلي بعشقه الفاسد للغرب الذي تبيّن أنه عشق من طرف واحد كلما عنَّ على بال الغرب استهانتنا، ومصير هذا القطاع أن يقتنع أخيراً، ولكن على الحكومة أن تبادر وسريعاً جداً إلى تفعيل دورها بشكلٍ كبير في هذا المجال، وتطرح منتجاتها في تلك الأسواق الصديقة، التي ترحب أصلاً بسورية وسلعها، وعلى هيئة ترويج الصادرات أن تتحرك أكثر من ذلك، وتتزود بكثير من الشجاعة والإقدام على الترويج فعلاً وليس فقط من خلال المعارض التي هي هامة بالتأكيد ولكنها غير كافية فلابد من تبادل الزيارات والاتصالات وكل ما من شأنه إيجاد موطئ قدم لمنتجاتنا الوطنية. مزيد من التحليل لواقع حضورنا في أسواق الشرق، وكذلك في أمريكا الجنوبية وفي أفريقيا، ومن ثم لمستورداتنا من هذه الأسواق ومن الأسواق الغربية البغيضة نتناوله في محطاتٍ قريبة ومتتابعة. |
|