|
الثلاثاء 14-8-2012 وامتدت حتى بناء دولته الأولى وبدء انتشاره خارج حدود الجزيرة العربية، رغم القيود الكثيرة التي وضعت على الفيلم والحرب التي أعلنت ضده بأشكال كثيرة وبحجج متباينة وصلت إلى التهديد بحرق دور السينما التي تعرضه،وخاصة في الولايات المتحدة حيث حرم من مشاهدته ملايين الأشخاص ، وللدقة من مشاهدة نسخته الإنكليزية التي لعب بطولتها (أنطوني كوين) وهو في قمة مجده السينمائي.. حقق العقاد في (الرسالة) انعطافة هائلة في مفهوم الأعمال الفنية التي تناولت تلك المرحلة التاريخية الحافلة بالأحداث والتحولات،والتي كانت موضوعاً لعدد كبير من الأعمال السينمائية العربية، ومن ثم الأعمال الدرامية التلفزيونية،وخاصة في طريقته المختلفة في تقديم مجتمع مكة غداة ظهور الإسلام. فقد كان المخرجون قبله، ولغاية إظهار عظمة الرسالة الجديدة، وحجم التحول الكبير الذي أحدثته في مجتمعها يلجؤون إلى مبالغات غير مقنعة في تسخيف خصومها من رجالات قريش وهم كبار الناس وحكماؤهم، وكثر منهم دخلوا الإسلام بعد ذلك وصاروا من أهم رجاله، ومع ذلك فإن الأعمال التي سبقت فيلم العقاد قدمتهم بصورة نمطية تكاد تكون ذاتها، جعلت منهم مجموعة من البلهاء المتهتكين الذين يضحكون بمجون طيلة الوقت، ولا يملكون أي قدر من الجدية والهيبة، ولأنهم قدموا بهذه الصورة فقد أسندت أدوارهم إلى ممثلين مبتدئين هزيلي الحضور مما ضاعف من الحالة الكاريكاتورية لهم، وأفقد الصراع بالتالي الكثير من أهميته وقيمته، ومعه العمل الفني بأكمله.. العقاد بخلاف سابقيه احترم عقل المشاهد،فقدم الشخصيات منسجمة مع وصفها التاريخي بما في ذلك شخصيات خصومه الجاهليين، فأسند دور أبي سفيان إلى واحد من أقدر الممثلين العرب (حمدي غيث) وكذلك فعل مع سهيل بن عمرو وعمرو بن هشام وعتبة وسواهم..واختار الممثل القدير محمود سعيد لدور خالد بن الوليد بما أتاح له أن يجعل من تحوله إلى الإسلام حدثاً هاماً،وأسند دور هند بنت عتبة إلى منى واصف التي عرفت كيف تؤدي دور هذه الشخصية الفريدة وتكشف مكنونات نفسها من تجوالها المتباهي في أسواق مكة يغمرها الفخر بجمالها ومكانتها ونسبها وثرائها،إلى حزنها الحاقد بعد مصرع أبيها وعمها وشقيقها في معركة بدر، إلى استكانتها بعد فتح جيوش المسلمين لمكة وقبول الرسول(ص) لتوبتها.. بعد العقاد لم يعد المخرجون الذين قدموا أعمالاً عن السيرة النبوية يقبلون على أنفسهم الوقوع بالأخطاء التي وقع فيها أسلافهم الأوائل، ويمكن القول أن ريادة العقاد في (الرسالة) قدمت لهم نموذجاً ألهم معظمهم، فاستوحوا الكثير من أسلوبه، ولم يقتصر الأمر على ما سبق،وإنما تخطاه إلى الشكل الفني حيث يمكن وصف الكثير من مشاهد (الرسالة) بأنها روائع بصرية لا تبارح الذاكرة، وقد ظهرت (ظلال) هذه المشاهد في كثير من الأعمال التالية حتى بات الحديث لا يقتصر عن منعطف أحدثه العقاد، وإنما عن معطف له خرجت من تحته أعمال هامة عدة.. |
|