|
معاً على الطريق بينما دمشق حاضرة تُشهد التاريخ أنها ستظل دوماً عاصمة الحضارة والأصالة. ما كنت لأنسى دمشق عندما أذكر أمي فهي ما غادرتها في يوم الى لتعود اليها.. وأجد مقالاً كتبته (قمر) في العام الذي كُرّست فيه دمشق كعاصمة ثقافية بعنوان (دمشق.. وأنا) فأستبدله بكلماتي .. وأقتطف من بستان عشق أديبتنا لدمشق ما تقوله فيها: “ وأكاد أخطف حرف ال (و) الذي يفصل بيني وبينها.. دمشق.. ولماذا أفعل؟.. بل لماذا لا أفعل وهي قد سكنت فيّ.. ولم أسكن فيها؟.. وهي التي أعطتني هويتي الصغرى (دمشقية).. فكبرت واتسعت هذه الهوية حتى شملت العالم العربي بأسره بما فيه من قيم روحية ودينية؟ وماذا سأعدد أيضاً وهي التي باختصار ولدتني في حي (النوفرة) من دمشق القديمة.. ورعتني في حي (العمارة).. حتى فتحت عيني في أعقاب الحرب العالمية الثانية على كل ما مر فيها من أحداث جسام.. ومن وطنيين عظام قدموا تضحياتهم وربما أرواحهم في سبيل استقلالها وعزتها؟.. وهي التي كذلك منحتني حباً لها لم تمنحه مدينة ما لإنسان ما كما فعلت. ويقولون إنها أنشئت منذ عصر آدم.. وإن مَنْ هبط من سفينة نوح على جبال (أرارات) من شمال سوريا هم الذين عاشوا فيها.. ويقولون إن أميراً غامضاً كأنه من الأساطير واسمه (دمشاق) هو الذي أطلق اسمه عليها.. والمهم أنها احتضنت العروبة.. وأن سكانها أصلاء منذ الغساسنة حتى هذا الإهداء.. وهو في الواقع ليس إهداء بل اعترافاً بما منحت.. فلقد أحببتُ ماءها وهواءها.. وجبالها وأنهارها منذ كانت مدينة صغيرة حتى أصبحت عاصمة كبيرة لها حضورها في كل مجال وهي أبداً المثل والمثال. عام بأكمله وأنا في كل أسبوع أقطف من أزهارها زهيرات.. ومن أوراقها وريقات أختبئ وراءها لا لأسجل معلومات وإنما لأعبر عما يكنه القلب.. وكأنني أردد ما قاله شاعر سوري قديماً وهو أبو فراس الحمداني مخاطباً سيف الدولة: ولو أنني أكننته في جوارحي لأورق ما بين الضلوع وفرعا وما أكثر ما يمكن أن أقول فيها أو أن أستعير من غيري مما قاله فيها.. وكانت تستحق مني كما استحقت من غيري مؤلفات ومجلدات.. بل موسوعات.. لكن أوراقي التي قدمتها في سفارتها الشاملة كعاصمة ثقافية هي في اعتقادي شفيعة لي في أن تمنحني العلامة الصغرى (دمشق) والكبرى (سوريا). إنها عاصمة ثقافية دائمة وأزلية.. وإن غابت شمس هذا العام فلن تغيب شموسها في التجليات الحضارية التي اطلعت عليها شعوب أخرى وأمم حملت اليها الفنون رموزاً للتآلف الحضاري.. والتمازج الثقافي.. كما أوفدت النخب من علمائها، ومثقفيها، ومفكريها، وأدبائها الخ...، ولعل الذين زاروا دمشق في هذه المناسبة اطلاعياً أو سياحياً هم أيضاً يحملون ليس التذكارات فقط بل الذكريات الرائعة عن كل ما في دمشق من ماضٍ عريق وحاضر جميل وأنيق. فيا دمشق.. يا مدينتي ومليكتي.. ماذا أهديك في هذه المناسبة أكثر من نبض القلب وحب الحب مع شعوري دائماً بأنك مني وأنا منك؟ إنها كلماتي في حب دمشق التي تغلغلت في شرايين حروفي وفي كل ما كتبت وسأكتب.. وكأنني قد ساهمت بقطرة من بحرها.. وفوح من عطرها.. وسطر من تاريخها.. وثقة بحاضرها.. وأمل بمستقبلها”. |
|