|
الافتتاحيــة داخلية كانت أم خارجية، بضرورة الانعطاف يميناً أو شمالاً وتغيير وجهة المسار. فما نراه اليوم، وما يطفو على السطح من تموجات في المواقف السياسية إقليمياً وغربياً، والمقاربات التي تجتمع تحت سقفها، يميل في أغلبه إلى الاستهلاك الإعلامي، والأمر لا يقتصر على مضمونه فحسب، بل أيضاً ينسحب على طريقة التسويق، وصولاً إلى منحى التوظيف، وانتهاء بما ينتج عنه من تدوير للزوايا، مروراً بكمٍّ لا ينتهي من الاستنتاجات والتفسيرات المتناقضة. فالقضية لا تنحصر في رؤية سياسية تحكمها مصالح شخصية وذاتية، وتتحكم فيها الأمكنة والجلسات والعواصم التي تشهدها، بل تشمل كل المقاربات الناتجة عن قراءة غير جادة للمتغيرات. والاشكالية لا تقتصر على النفاق السياسي الذي يجيده الغرب، وتتقمصه بعض السياسات الإقليمية بشكل مشوّه وفاضح، بل تمتد في عمق الجزئيات الموازية والمرافقة للتطورات السياسية وانزياح المشهد الدولي المفتوح على احتمالات متعددة. والنقاش الدائر – في بعضه على الأقل – لا يلحظ الفارق، وقد لا يأخذ به إلا من باب الاستدلال على وجود متغيرات قادمة، وأحياناً من زاوية المواربة لما قد يحصل لاحقاً، وبالتالي فإن الاستعجال في إطلاق الأحكام لا يتيح الوصول إلى قراءة هادئة، تسمح بالتفريق الفعلي بين ما يُصدّر للاستهلاك والترويج والتسويق الخاطئ، وبين حقائق دامغة تجري على الأرض، وممارسات معاكسة لها خلف الأبواب المغلقة وداخل اللقاءات السرية، التي تتكثف هذه الأيام، وتشهد حلقات متصلة من المتابعة الحثيثة، وهي تجوب الخيارات المختلفة بحثاً عن إضافات هنا، واقتراحات هناك، لتأخير الحل السياسي والتأثير المباشر على الجهود المبذولة!! من هذه الزاوية بالتحديد، يمكن فهم تداعيات الاستعجال في تقديم الاستنتاجات وانعكاسات الحديث المفرط في ثقته عن وجهة تلك الانعطافات، كمحاولة للتعمية على الوقائع المناقضة لها، وكغطاء لتقديم التبريرات المقولبة والجاهزة على أنّ ما يجري على الأرض، هو فقط بقايا مواقف سابقة، وتراكمات خطط ماضية، وأن المسألة في نهاية المطاف مسألة وقت!! وقد يكون ما يتم تسريبه من تقارير وتحليلات، وحتى مقاربات، يصبّ في المنحى ذاته مدعّماً بقرائن حمّالة أوجه، وهذا ما يدفع إلى الجزم بأن وراء الأكمة ما هو أبعد من النطاق الظاهري المعمول به، بدليل أن ما جرى في الأيام التي تلت تحديد موعد المؤتمر الدولي شهد حملة تصعيد بالتوازي مع حملة مماحكات في السياسة، ومواربة في المواقف، تبدو قريبة من بعضها ومتقاطعة في بعض جزئياتها لصرف الأنظار مؤقتاً عن المسار السياسي، ريثما ينجلي غبار المواقف المفتعلة والمراوغة والملتبسة، حيث كانت بضعة أيام كافية لكشف ما وراء ألسنة انطوت أو صمتت عند الإعلان، وسرعان ما تحركت لتقديم تفسيراتها الخاصة الخارجة عن نطاق مهامها ودورها!! وفيما يتفاصح البعض منهم بعد طول صمت، لتقديم ما يصله بالبريد العاجل دون أن يطلب أحد منه ذلك، يأتي الأخضر الإبراهيمي ليعيد سوق استنتاجاته الخاطئة، وتفسيراته التي تتوافق مع رغبات رعاة الإرهاب ومموليه بالدرجة الأولى، وتحاكي بعضاً من تمنياتهم، فيعيد النفخ في القربة المثقوبة. في كل الأحوال، ما نعتقد أنه بات من المحسوم قبل غيره، أنه لا يمكن التعويل على تلوّن هنا، أو تعرّج هناك، ولا يمكن البناء على تصريح ملتبس في مفرداته ومشتبه على صاحبه قبل غيره في مصطلحاته حيناً، أو على حديث منمّق وتهريج في المقاربات أغلب الأحيان، ولا يمكن الرهان على وعود كاذبة في شكلها ومضمونها، أو على تعهدات لا يملك صاحبها صلاحية البت فيها!!. باختصار، حين يكثر اللغط يزداد العرج.. ومعها لا بد من إعادة التصويب وصولاً إلى الجزم, لا بد من التسليم بأبجديات ما هو مطلوب ومعروف للقاصي والداني، وهو وقف تمويل الإرهاب ووقف احتضان الإرهابيين، عند هذه النقطة يمكن أن نقول إن هناك من يتجه نحو انعطافة فعلية، أما بقية الهرج من الكلام فلا رصيد له في السياسة، ولا مصداقية يمتلكها في التجربة. |
|