|
معاً على الطريق ولابد من التأكيد على الفرق النوعي الكبير بين الولاية الدستورية الاولى التي جاءت وسط امتحان قدري صعب بالغ الحساسية والتعقيد وبين الولاية الدستورية الثانية التي تجيء بعد ممارسات محنكة وتكتيكات معقدة ومقارعات شرسة في الميدان في اعقاب فترة كانت حبلى بالتحديات على صعيد الداخل والخارج وبالاحداث الجسام والتي كان على رأسها احداث الحادي عشر من ايلول التي ادت الى احتلال كل من افغانستان والعراق والتي كان من آخر عقابيلها اقامة جسر عسكري جوي امريكي الى بيروت التي تشكل توءماً شرعياً لدمشق وخاصرة حقيقية لها. بصرف النظر عن اختلاف اشكال انظمة الحكم وتنوع الديموقراطيات في العالم, وبصرف النظر عن التمايز الخاص لكل مجتمع ودولة من حيث شكل وطبيعة التاريخ الحديث والمعاصر ومن حيث التأثير والنقل النوعي فإن النظام الرئاسي بات يلعب دوراً متعاظماً في رسم السياسات وتحديد المصائر في العالم كله على انقاض النظام الملكي والنظم الاخرى, بصرف النظر طبعاً عن الدور الذي مازال يلعبه نظام رئاسة الوزراء عبر الاغلبية البرلمانية او تحالفات الكتل داخل البرلمان. فخلال قرابة العقدين من الزمن تناوبت ثلاث شخصيات على مفاصل الحكم في الاتحاد السوفييتي السابق وعلى روسيا التي نشأت على انقاضه1- ميخائيل غورباتشوف الذي اسس لانهيار الاتحاد السوفييتي 2- بوريس يلتسين الذي ارتكب جريمة انهياره 3- فلاديمير بوتين الذي يحاول بشراسة متناهية اعادة الهيبة له ببروزه كأحد القياصرة العظام. اما على الجانب الغربي فإن الادارة الخرقاء للرئيس بوش وعلى مدار ولايتين متتاليتين له اوصلت العالم كله الى شفير الهاوية. وبعيداً عن التجني يكفي ان نقول ان شعبيته انحدرت من 85 بالمئة بعد احداث الحادي عشر من ايلول الى قرابة 28 بالمئة وهذا امرلم تشهده امريكا في مجمل تاريخها, ناهيك عن تصريحات بعض اعضاء الكونغرس عن ان السياسة الخارجية الامريكية في عهد الرئيس بوش هي الاسوأ في تاريخ امريكا, والاطرف من ذلك كله هو تصريحات الناطق باسم البيت الابيض طوني سنو بأن اي خلل في عملية تصديق الميزانيات للحرب على العراق من قبل الكونغرس الأميركي سيجعل امكانية عودة القوات الأميركية الى بلادها عملية متعسرة أو مستحيلة من الناحية المالية, دونما أدنى لحظ للقدرة المالية للدول التي مولت عملية مجيئها على دفع بضع مئات الملايين من الدولارات لإجلائها وإراحة كامل المنطقة منها. وإنه لأمر مثير للفخر لجميع السوريين أن تكون سورية المتواضعة حجماً وسكاناً وثقلاً أحد أبرز أقطاب الممانعة إن لم نقل المناوأة والمشاكسة والمعارضة لمشاريع الهيمنة الأميركية. وحقيقة الأمر أن هذا الواقع لم يحدث مصادفة أو عبر (ضربة حظ) بل جاء عبر التشبث بالإهاب السوري الممانع المناهض الذي أسس له الشهيد يوسف العظمة, والذي استمر الى يومنا هذا. ولمزيد من التوضيح لمفهوم الثوابت السورية أقول ان تمسك سورية بالسلام العادل والشامل وغير المنقوص عبر تطبيق القرارات الدولية قد ظهرت مختلف مرتسماته على أرض الواقع عقب أحداث مخيم نهر البارد, فنزوح لاجئين فلسطينيين مجدداً من مخيم الى آخر يعيد الأمور الى نقطة الارتكاز الأولى في مسألة السلام العادل والشامل عبر تطبيق القرار 194 القاضي بحق اللاجئين بالعودة الى ديارهم الأمر الذي يكشف أن مختلف معاهدات السلام التي عقدها العرب مع الكيان الصهيوني بدءاً من اتفاقات كامب ديفيد مروراً باتفاقات أوسلو وانتهاء باتفاقات وادي عربة كانت تمشي على رأسها وأنها باطلة ومتهالكة بشكل أو بآخر بكونها لم تبدأ من مسألة حق عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم ومن تكريس القدس عاصمة دولتهم. قال لي بعض الأصدقاء إنك تصعد كثيراً في مقالاتك حول جدلية الداخل والخارج وربما ليس هذا هو الوقت المناسب لمثل هذا التصعيد الآن فقلت لهم ان الكلمات الصعبة تأتي في الأزمنة والأوقات الصعبة. وحقيقة الأمر انه بعد رحيل المغفور له الرئيس حافظ الأسد وجدتني مضطراً الى عدم انتظار موعد زاويتي الاسبوعية في صحيفة تشرين فكان ان نشرت بعد بضعة ايام وبتاريخ 16/6/2000 مقالاً تحت عنوان استحقاقات الراهن أكدت فيها على أن الأمور لاتنتظر الأحداث الجلل. ومن ضمن مفهوم استحقاقات الراهن أقول إن الأمور تستوجب العمل الحثيث الدائب على جبهة الداخل بقدر ما أوتينا من قوة فغرق المراكب هو علاقة جدلية بين متانة المركب وعنف الأمواج وسطوة الأعاصير وليس من خيار أمامنا سوى تحصين المركب وتصفيحه لمقاومة الأمواج والأعاصير وهذا لايتم إلا عبر التحصين المتواصل للداخل. |
|