تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


«العثماني الحالم» على حافة العبث.. قطرة واحدة لا تصنع طوفاناً

دراسات
الاربعاء22-1-2020
فؤاد الوادي

يطغى على المشهد في الشمال السوري، اشتباك ميداني واضح ومعلن الأهداف والأبعاد من قبل منظومة العدوان، واشتباك سياسي واضح الأهداف والرؤى رغم محاولات هذه المنظومة إضفاء الغموض والضبابية على الغايات والأهداف الحقيقية لهذا الاحتراب الذي قد يتصاعد في حدته وشدته خلال الأيام القليلة القادمة.

‏‏

غير أن اللافت في هذه الأجندات التي يبدو أنها سوف تستعر وتتدحرج يوما بعد يوم - وهذا يعزى بطبيعة الحال إلى انسداد الأفق أمام الحلول الاستثنائية بما فيها خيار الحسم كحل أخير ما يزال يجثم بثقله على صدر المشهد نتيجة سياسات الدول الداعمة للإرهاب - أن كل مايجري يستخدم مسرح الآخر لاستعراض عضلاته وفرض حضوره ورسم شروطه، وهذه حالة ليست شاذة أو مستجدة أو استثنائية في عالم السياسة، بل لطالما كانت مواكبة وملازمة لكل الصراعات والحروب التي لطالما أشعلت الحماقة والغرور والانصياع للنزوات الاحتلالية والاستعمارية والتوسعية فتيلها وسعّرت ألسنة لهيبها، بينما كانت تتكفل الطاولة السياسية بإطفائها وإخماد نيرانها، أي إنها كانت تبدأ في الميدان (سواء أكان ذلك بشكل متعمد أو غير متعمد، أم كان بذريعة أو بغير ذريعة)، وتنتهي على الطاولة السياسية.‏‏

صحيح أن قطرة واحدة لا تصنع طوفاناً، لكنها قد تنذر بشتاء قارس شديد البرودة ومحاولات النظام التركي كانت ولا تزال واضحة في هذا الشأن، حيث يبدو اللهاث والهستيريا مستعرين عند أردوغان لتوسيع مساحات الاشتباك، التي توسع بدورها مروحة الضغوطات والخيارات وصفقات الابتزاز، ولعل التفجير الحاصل اليوم في جبهات الشمال -ريفي حلب وإدلب - التي تشهد تحشيداً وتصعيداً ممنهجاً من قبل التنظيمات الإرهابية التي تحارب تحت راية أردوغان الإخوانية وبسيفه العثماني الخشبي، هو صورة لهذا الشتاء القارس الذي يجهد الأخير لجعله أمراً واقعاً من أجل مراكمة طبقات الجليد التي من شأنها أن تقف عائقاً أمام تنفيذ كل الاتفاقات والالتزامات الدولية.‏‏

لقد بات معروفاً للجميع أن كل استحقاق سياسي - مؤتمر، اجتماع، قمة، لقاء - لابد أن يسبقه ويصاحبه تصعيد ميداني على الأرض، كممهد ضروري لفرض شروط اللاعبين الأساسيين، وهذا كما أسلفنا يندرج ضمن سياق (استراتيجية إدارة جبهات القتال)، فالتصعيد الإرهابي المتواصل منذ أيام في جبهات الشمال السوري هو جزء من عدوان أردوغان الممتد إلى مؤتمر برلين الدولي بشأن الأزمة في ليبيا، فالمؤتمر الذي كان يعتبره النظام التركي فرصة مثالية لإثبات حضوره على الساحة الإقليمية كلاعب مؤثر في أروقة السياسة الدولية، جاء لينسف آماله بفرض شروطه على الحاضرين كمعادل في أمن واستقرار المنطقة، وفي الوقت ذاته انتهى بحقيقة شكلت صفعة قوية لأردوغان وهي وجود لاعبين دوليين آخرين على الطاولة استطاعوا فرض حضورهم وشروطهم على أجندة المؤتمر كلاعبين لا يمكن لأردوغان وحده تجاوزهم لأنه يكون بذلك قد وضع نفسه على فوهة بركان قد ينفجر فيه بأي لحظة.‏‏

في قراءة سلوك النظام التركي خلال الأيام والأسابيع القليلة الماضية وتحديداً مرحلة ما بعد تمدد طموحاته الإخوانية خارج الجغرافيا السورية إلى الجغرافيا الليبية، يتضح جلياً أن أردوغان لا يزال أسير الرهان على المستحيل، ولاسيما فيما يتعلق بتشبثه بالعبث بمفردات وعناوين المشهد السوري بهدف إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء، وهذا ما يبقيه متدلياً في أعلى الشجرة بعيداً عن تحولات الواقع بحوامله وعناوينه التي يتعامل معها حتى اللحظة بمزيد من الخداع والتجاهل والهروب إلى الأمام بدلا من مواجهتها بشيء من البراغماتية التي تحاكي المتغيرات والتبدلات التي أحدثها انتصار الدولة السورية وحلفائها في الميدان.‏‏

في السياق ذاته هناك حقيقة يحاول البعض نسيانها أو تجاهلها عند مقاربة الدور التركي والحديث عن أبعاده وأهدافه في المنطقة، وهي حقيقة الارتباط الوظيفي بين النظام التركي والولايات المتحدة، وهذا الأمر كفيل وحده بشرح الكثير من التفاصيل الخفية للتورم التركي، يكفي التذكير بأن أردوغان كان ولا يزال مجرد أداة ومطية أميركية للعبور إلى جغرافيا المنطقة وتدميرها واحتلالها ونهب خيراتها وثرواتها.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية