|
شؤون سياسية فقد زار الرئيس الإيراني أحمدي نجاد الجزائر في صيف 2007 وفي ذات الفترة تم توقيع مذكرة تفاهم بين سورية وروسيا, يقوم بموجبها ميناء طرطوس السوري بتموين القطع البحرية للأسطول الروسي,الذي سوف يبدأ في استعادة وجوده في البحر المتوسط ,بعد غياب دام سنوات طويلة,وقفز الرئيس ساركوزي,على عادته في العمل السياسي,إلى اقتراح بإنشاء كتلة 5+5 في البحر المتوسط تكون وسيلة للتخلص من قبول تركيا,بكتلتها الإسلامية في الاتحاد الأوروبي ,فيما يمهد (لاسرائيل) للانضمام إلى المتوسط ليفتح لها المجال للتواجد بين الدول المتوسطية,هدية منه للكيان الصهيوني بمناسبة ذكرى اغتصابه لفلسطين منذ ستين سنة. إنها تحركات تزخر بالتوجهات السياسية التي لايتأتى إدراكها إلا بالعودة إلى المشهد الذي أنشأ مساراً سياسياً نوعياً جديداً في منطقة البحر المتوسط, هذا المشهد الفارق كان تحديداً قيام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين,في فترة مبكرة للتحركات المشار إليها بزيارة الجزائر,وهي أول زيارة لزعيم روسي للجزائر,ورغم أن الزيارة استغرقت فقط ساعات قليلة,فإنها انتهت بتوقيع أكبر صفقة دفاعية تبرمها موسكو منذ تفكك الاتحاد السوفييتي.إنه تطور مفاجئ وحاسم,دفع أمريكا إلى إيفاد ديفيد وولش مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون (الشرق الأوسط) وشمال إفريقيا كرد أولي,إذ أدركت الدبلوماسية الأمريكية أن صفحة جديدة من تاريخ المنطقة قد بدأت! ثم جاءت النقلة الثانية للتحرك الروسي باتجاه الجزائر بعد النقلة الأولى ببضعة شهور وكان ذلك خلال عام 2007 الذي شهد توقيع اتفاقية شراكة بين أكبر شركة روسية لإنتاج الغاز الطبيعي وهي شركة غاز بروم وشركة سوناترك في الجزائر وهي الشركة الوطنية لإنتاج الطاقة. السؤال هو: لماذا تحرك الكرملين باتجاه الجزائر بكل هذا الزخم الهائل?! قد تكون هي رغبة موسكو في إحياء علاقات دفاعية قوية وقديمة مع هذه الدولة,وهي علاقات تعود إلى أوائل الستينيات عندما عقد الرئيس هواري بومدين اتفاقات مع الاتحاد السوفييتي للتسلح ولإنشاء مجمعات صناعية في عنابة الميناء الجزائري في الساحل الشرقي على المتوسط.ولكن ليس ذلك كل ما كانت تعنيه زيارة بوتين للجزائر,التي ما من شك أنها دولة تعني للاستراتيجيين الروس,جيو سياسات الموقع والطاقة.إن جانباً كبيراً من خطوط إمداد الغاز الطبيعي لأوروبا تمر كلها عبر الجزائر ومنها إلى المنطقة المواجهة وهي جنوب أوروبا:فرنسا,إيطاليا,إسبانيا,والبرتغال. إن مبادرة روسيا مؤخراً لاستعادة الوجود البحري والسياسي في شرق وغرب البحر المتوسط عبر اتفاقيات استراتيجية مهمة,إنما يعبر عن دلالتين.الأولى:السعي إلى الوجود مرة أخرى في ذلك الجانب من الوطن العربي الذي كان مهد المد القومي العروبي الثوري والذي يقع على امتداد الساحل الجنوبي للبحر المتوسط,أما الثانية: فهي أن وجود روسيا في هذا النطاق العربي المتوسطي يتيح لها استكمال دائرة التوضع الجيو سياسي حول القارة الأوروبية من شرقها إلى غربها,ومن جنوبها إلى شمالها باعتبار أن البحر المتوسط هو نطاق وسيط بين البحرين الأسود والبلطيق. إن البحر المتوسط يتيح لروسيا الدخول إلى المجال الحيوي لجنوب وغرب أوروبا, وهو مايبرز أهمية شمال إفريقيا في الاستراتيجية العالمية.في هذا السياق من التنافس الدولي يبرز مشروع الاتحاد المتوسطي باعتباره النقلة الأوروبية باتجاه شمال إفريقيا وهي نقلة مضادة لاحتواء قوى منافسة لها في هذا الحوض. * سفير سابق |
|