تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الأطلسي والفوضى الأفغانية

شؤون سياسية
الأحد 13/4/2008
توفيق المديني*

على الرغم من مرور سبع سنوات على سقوط نظام (طالبان), ووجود ما يقارب 60000 عسكري أجنبي من قوات حلف شمال الأطلسي خلال سنة 2007 ,

وضخ عشرات المليارات من الدولارات, فإن أفغانستان بحسب رأي كبار المحليين الغربيين المتابعين لشؤونها الداخلية تتجه نحو الفوضى والكارثة على الطريقة العراقية, وكان قادة حلف الأطلسي الذين اجتمعوا في قمة بوخارست مؤخراً قد أعلنوا, أن قواتهم في أفغانستان بحاجة إلى تعزيزات في معركتها ضد طالبان, قائلين إنهم (فوجئوا) بمدى عنف وقوة هذه الحركة.‏

وسيزداد عدد قوات الحلف الأطلسي في أفغانستان قريباً مع وصول 3200 جندي من البحرية الأميركية إلى جانب ألف جندي فرنسي آخر (كما تعهد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وأثار بذلك غضب المعارضة الاشتراكية واستياءها, وقد اختار أن يعلن هذا التعهد في البرلمان البريطاني, خلال زيارته الرسمية الأخيرة إلى بريطانيا, بدل إعلانه في البرلمان الفرنسي, وهو الأمر الذي لم يدعم موقفه).‏

ومن جديد أصبح الجنوب الأفغاني مسرحاً للمعارك الطاحنة, وبدأت البلدان الغربية المتورطة مباشرة في هذا الصراع على الأرض تعبر عن شكوكها في تحقيق النصر, فالولايات المتحدة الأميركية ارتكبت في أفغانستان الأخطاء عينها التي ارتكبتها في العراق, استراتيجية مخصصة بالكامل (للحرب ضد الإرهاب) بدلاً من إعادة الإعمار فضلاً عن موقف فظ من جانب جيشها, الاعتقالات التعسفية والتعذيب المبرح للسجناء,وإهانتهم, فضلاً عن الجهل أو الاحتقار للثقافة المحلية. ويضاف إلى ذلك أن الجيش الأفغاني الذي تلقى تدريبات من قبل الخبراء العسكريين الأميركيين والفرنسيين لا يزال متهيباً من شن عمليات عسكرية خارج حدود العاصمة كابول.‏

وتعاني العمليات العسكرية الغربية من عدة أخطاء على الصعيد العسكري, ففي الوقت التي كانت العمليات العسكرية موجهة لملاحقة أسامة بن لادن وتأمين الحماية الأمنية لبلد يفتقر إلى الدم, تحولت مهمة الحلف الأطلسي من مهمة أمنية إلى خوض الحرب, وممارسة القصف الجوي الوحشي الذي لا يستثني المدنيين, وقد جعل هذا الأمر الشعب الأفغاني ينظر إلى الجنود الغربيين كمحتلين متعجرفين وغير محترمين للتقاليد الأفغانية المحلية, وعاجزين عن ملاحقة (أمراء الحرب) الحريصين على المحافظة على سلطاتهم المحلية وميليشياتهم المسلحة, وعن كشف النقاب عن الفساد في أفغانستان.‏

ربما كان الأمر يتعلق بشيء من الطيش أو مجرد سوء حظ, وفي كلتا الحالتين فإن موجة قتل المدنيين التي أحدثتها القوات الغربية في أفغانستان في الآونة الأخيرة خطيرة بقدر خطورة الهجمات الانتحارية التي يشنها مقاتلو حركة طالبان, ومحاربة التمرد في الوقت الذي يتم فيه بناء دولة فاعلة من ركام الدمار في أفغانستان, لم يكن يتوقع له أن يكون سهلاً أبداً, ولا سيما في ظل وجود تحالف من 37 بلداً يضم أميركيين صقلتهم المعارك, وألماناً يخجلون من خوضها, إلا أن قوات التحالف ورطت نفسها من خلال إنشاء قوتين منفصلتين, كلتيهما يسيطر عليها ويقودها جنرالات أميركيون, تعمل لأهداف متقاطعة في بعض الأحيان, إحدى هاتين القوتين هي (القوة الدولية للمساعدة الأمنية - إيساف) وهي عملية بقيادة حلف (الناتو) تقوم بعمليات حفظ السلام وتحقيق الاستقرار, ومقاومة تمرد طالبان بالنسبة إلى بعض الوحدات في الجنوب, وهناك مجموعة أكثر غموضاً يطلق عليها (قوة المهام المشتركة 82) والمكونة من قوات خاصة وقوات مشاة من النخبة التي تطارد قادة طالبان والقاعدة ضمن عملية (الحرية الدائمة) الأميركية, ويمكن للاختلاف بين القوتين أن يكون ضبابياً وغير واضح.‏

لقد سئم الشعب الأفغاني من ملوك المال المتغطرسين والمدججين بالسلاح والذين يعيشون في قصور ويركبون أفخم السيارات وذلك في بلد لا يتمتع أكثر من 13% من سكانه بخدمة الطاقة الكهربائية, وحيث يعيش أغلب الناس على دخل لا يتجاوز مئتي دولار سنوياً.‏

وها هي حركة (طالبان) تعود للبروز بقوة في صدارة المشهد السياسي الأفغاني, ورفضت أن تكون اسماً من الماضي, بعد تزايد وتصاعد المواجهات العسكرية المسلحة ضد قوات الناتو والقوات الحكومية الأفغانية معاً, والتي وصلت حالياً إلى مستويات قياسية, وتوسيع نطاق هذه العمليات, بعدما حصلت (طالبان) على أسلحة وتجهيزات عسكرية حديثة, بما فيها القدرة على إسقاط المروحيات, وامتلاك القدرة العسكرية على تكبيد القوات المتعددة الجنسيات المزيد من الخسائر المادية والبشرية.‏

وعلى الصعيد الاقتصادي, يخيم شبح أفيون أفغانستان, التي أصبحت عرضة للوقوع من جديد بين أيدي الإرهابيين, والمتمردين, والمجرمين, وتجار الأفيون التي تجاوز حجمها آلاف الملايين من الدولارات والتي تؤرق البلاد وتقض مضجعها, حتى إن القائد الأعلى لقوات حلف شمالي الأطلسي أطلق على تجارة المخدرات هناك (كعب أخيل) أفغانستان.‏

لكسب الحرب في أفغانستان, وتعزيز السلطة المركزية في كابول, على الولايات المتحدة الأميركية أن تخصص كل طاقتها وإمكاناتها المالية لقيادة أفقر مجتمعات العالم على طريق إعادة الإعمار الاقتصادي, وإيقاف الإتجار بالمخدرات التي تشهد ازدهاراً اليوم, وزيادة المساعدات الاقتصادية بوصفها أمراً ضرورياً إضافة إلى توسيع قوة حفظ السلام الدولية, أما سياسات السيطرة والنهب فلن تقود إلا لمزيد من المآسي والكوارث.‏

* كاتب تونسي‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية