تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


المناورات الإسرائيلية في المنظور النفسي

شؤون سياسية
الأحد 13/4/2008
ديب علي حسن

لم يبق في الشرق والغرب وفي الشمال والجنوب من لم يسمع بهذا الضجيج الحربي والاستعراض العدواني..

إسرائيل تجري أضخم مناورات في تاريخها.. المناورات تمرين على حالات معينة.. المناورات ليست موجهة لأحد.. عبارات ملّ العالم سماعها, أدوات فتك وتدمير تجهز وملاجئ تبنى تحت الأرض وتهديد بتدمير دول وأمم, ومع ذلك يبقى الضجيج الإعلامي المرافق يعمل وفق اتجاهين متناغمين, لا يكاد يجف حبر أحدهما أو يهدأ صدى الصوت, حتى يعود الثاني إلى الارتفاع, تناغم وتبادل للأدوار, الحقيقة واضحة,جلية لا لبس فيها..‏

تتجلى في أكثر من مسرب وتنطلق من خلفيات تكدست وتراكمت منذعقود وعقود, بل ربما لا نخطئ إذا قلنا من مئات السنين. إنه العقل (الغيتوي) والعيش في مناطق معزولة عن الآخرين مدفوعة بصناعة الخوف المحفزة لروح العدوان لا يستطيع المرء أن يقرأ هذه المناورات خارج هذه الأقانيم. إسرائيل التي استطاعت خلال حرب الأيام الستة أن تشد العالم الغربي إليها وتقدم نفسها على أنها القوة التي لا تقهر في المنطقة وبذلك قدمت أوراق اعتمادها عصاً طويلة وذراعاً للضرب والبطش, وبعد أربعين عاماً يبدأ التحول, تنكسر الهيبة وتتدمر إسرائيل على الرغم من الدعم اللامحدود الذي تلقته في عدوانها وإذا بها تذوق مرارة الهزيمة, ويبدأ الانكسار وحين يحين وقت المراجعة والتقييم والتقويم يدرك الإسرائيليون أنهم أمام مفارقة لم يكونوا يتوقعونها, هزيمة عسكرية تنعكس انهياراً نفسياً وإخفاقاً في الأداء تجاه الداخل الاسرائيلي والوكيل الغربي الذي اعتمدها.. وهذا الواقع لابد من تغييره وبأسرع وقت ممكن حفاظاً على الهيبة والمكانة ولئلا يستسلم الاسرائيليون لليأس ولكي لا تخف جرعة الروح العدوانية التي كانت تجعل من صولاتها حروباً خاطفة تصيب صناعها بنشوة النصر السريع وإذا بهم يصولون ويجولون في بحر من الأوهام, ولا بد من هذا الذي مضى وكيف السبيل إلى ذلك..?‏

روح العدوان...‏

نفوس لا تنام حتى تشرب من دم ثاراتها, العربي الجيد هو العربي الميت, بادر إلى قتل العربي قبل أن يقتلك, لا تنسَ أن الأطفال سيصبحون رجالاً اقتلهم قبل ذلك.. مقولات من ايديولوجيا الحقد وما أكثرها تلقن للطفل قبل أن يرضع الحليب, تستعاد هذه المقولات الآن, وهي لم تختفِ حتى تعود, ولكنها تأخذ جرعة جديدة من خلال تطويرها ليس نظرياً, بل عملياً, فقبل أن يصدر تقرير فينوغراد والجهات المعنية تضخ في وسائل الإعلام الإسرائيلية جرعات من العدوان تارة من خلال الحديث عن خطر دائم من إيران, وتارة أخرى في الحديث عن حرب إقليمية وتوجت هذا الضخ بمناورات شملت الكيان كله مترافقة مع تصعيد في التهديدات والحديث عن خطر محدق, وكأن الأدوار قد تغيرت, إسرائيل العدوانية تستجدي السلام والعرب يرفضون.. ولم يبق أمامها إلا خيار الاستعداد للحرب, الدور المقلوب هذا حاولت تسويقه عالمياً بدعم أمريكي مادي ومعنوي, فالتقارير تشير إلى وصول شحنات أسلحة أمريكية إلى إسرائيل وهي أسلحة جديدة وخبراء أمريكيون يحضرون مناوراتها, وجنرالاتها - إسرائيل - يصرخون - أنهم سوف يدمرون الأمة الإيرانية إذا هاجمت إسرائيل وينسون أو يظنون أن الذاكرة الإنسانية قصيرة, فهم الذين يكدسون أسلحة الدمار والموت, وهم الذين لا يريدون حتى التواصل مع بادرة سلام, ومع ذلك هل تبدو هذه المناورات قادرة على إصلاح ما أفسدته الهزيمة..?‏

في الأعماق ..‏

تكمن الإجابة عن التساؤل المطروح سابقاً في الايديولوجيا التي انطلقوا منها, عدوان وعدوان, واستعدوا للمزيد من الثأر في التوراة والتلمود والبروتوكولات وفي المناهج التعليمية وفي سلوك الجنرالات والحاخامات, روح عدوانية استخدمها فرويد في علم النفس عندما استلهم مخازي التوراة في تفسير الشذوذ الجنسي وتفسير روح العدوان والانعزال, بينما ذهب كارل يونغ إلى الطرف الآخر متحدثاً عن الانسانية ورقيها وشفافيتها.. وإذا كان فرويد اليهودي نقطة ارتكاز في استلهام هذه الموبقات فإن سكينر عالم النفس الأمريكي يعطينا الجواب على ذلك عندما تحدث عن القدرة على بناء الانسان وتدجينه كما يريد, وهذه حال التجمع الاسرائيلي مدجن بروح العدوان ويبدو أن الجرعة قد خفت ولا بد من تحفيزها, وهنا مكمن الخطر فربما كانت الجرعة طاغية وفي الأعماق هزيمة منكرة قد لا تزول ولا بد من قطيعة معها, وهذه القطيعة سيكون ثمنها باهظاً, والغليان الذي تنوء تحته المنطقة لابد من احتوائه ولكن كيف.. هل يتحرك العالم قبل لحظة الجنون ونفث الأحقاد.. أم أن ما نراه ليس إلا تمهيداً لخيار شمشون تدفع المنطقة ثمنه, وشرره سيكون حارقاً في الكثير من أنحاء العالم, فهل ثمة عقلاء يتحركون في طغيان لحظات العته والجنون غير المنضبط..?‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية