تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


دخان الأحتمالات

كل أربعاء
الأربعاء 14/5/2008
سهيل إبراهيم

انفجرت خطوط التماس بين المشروعين اللذين يمسكان بمفاصل المنطقة, منذ الغزو الأمريكي للعراق قبل خمسة أعوام من اليوم, مشروع المقاومة, ومشروع الهيمنة الأمريكي الذي وسع ساحات انتشاره, وأضاف إلى حقول الألغام التي تزنر منابع النفط حقولاً جديدة, سماها في وقت سابق خطوط الدفاع الأولى, في معركة ولادة الشرق الأوسط الجديد.

تجرع لبنان الكأس المرة الأولى لهذا الانفجار, بعد شيفرة عاجلة حطت في مكاتب سراي الحكومة اللبنانية تقول: حان وقت الانقضاض على المقاومة, من الذراع الذي يؤلمها, فكان القرار بوضع اليد على شبكة الاتصالات السلكية التي مدتها المقاومة بين قياداتها وكوادرها من بيروت إلى الجنوب.‏

قيادات سياسية وشبكات إعلام مرئي ومقروء استنفرت فجأة في لبنان, ووصلت الليل بالنهار صراخاً في وجه المقاومة اكتشفوا فجأة- وكانوا يعرفون-أنها تحمي أمنها من تكنولوجيا العدوان الذي يتربص بها في الجو والبحر والبر, ويبحث عن ثغرة تمكنه منها, حتى ولو من خرم إبرة.‏

ردت المقاومة بما ردت,واعتكر الفضاء اللبناني بدخان الاحتمالات, التي ذهب بعضهم ليلوي عنقها نحو كوارث الحرب الأهلية, وذهب بعضهم إلى حصرها في رقعة الشطرنج الذي يتصارع فيه البيادق والقلعة والملك في لبنان منذ ثلاثة أعوام, فيما ذهب بعضهم الآخر بعيداً لينذر بالحرب الإقليمية القادمة من بطون القاذفات الأمريكية وفي أحشاء حاملات الطائرات التي بدأ بعضها يتسرب من عنق قناة السويس, إلى رحاب المتوسط بسواحله الشرقية.‏

في كل الحالات فالقراءة في صفحات الأيام المقبلة, سوف تتعدد وتتكاثر كدود القز يميناً ويساراً, بعضها بالتمنيات وبعضها بالمعلومات, وبعضها برجم الغيب! لكن القراءة الأجدر بالعناية وسط كل هذا الضباب, هي قراءة المقاومة بكل تجلياتها في هذه المنطقة, قراءتها للوقت, وقراءتها للإقليم, وقراءتها لأسرار اللعبة الدولية, في ساعات مفصلية, لابد فيها من انهزام أحد, وانتصار أحد بالنقاط, إذا لم يكن المطلق ممكناً.‏

المقاومة اللبنانية, عودت جمهورها اللبناني والعربي على القراءة الصائبة, وبراعتها في تفكيك الشيفرات, وتضليل بوصلتها, وعودتنا على الكفاءة في التحكم بالقلعة على رقعة الشطرنج,عندما تحاصرها البيادق, والنجاح في إدارة لعبتها السياسية, في محطيها الضيق, كنجاحها في إدارة المعارك الساخنة في وجه القوة العاتية التي اختبرت نزالها في العقدين الفائتين.‏

والمقاومة اللبنانية الآن هي في عمق خط التماس الذي انفجر وشرايينها تمتد في عمق عربي وإقليمي , بعضه في العلن, وبعضه الآخر تحت مظلات الأنظمة التي نصبت كراسيها على ظهور الملايين من العرب, وجاهرت بالطاعة للسيد الأمريكي المأزوم اليوم بين نخيل العراق, وأمطار فلسطين الساخنة, وسواحل بيروت التي استعصت على الموج القادم من البحر منذ ثلاثة أعوام.‏

كل يوم هنالك خطوة جديدة للمقاومة, وبعد كل خطوة تنظر من حولها, وتبني على الشيء مقتضاه, وفي كل يوم جمرة جديدة على طريق المقاومة وهي الخبيرة بالمشي على الجمر حتى أخر الينابيع وفي كل يوم احتمال ماثل أمامها, وهي القادرة على تشكيل الاحتمالات على مقياس رؤيتها في أصعب الأوقات.‏

هي ركيزة المثلث الذهبي الذي ينهض على قواعده الثلاث في العراق وفلسطين ولبنان, وهي الحلم الذي أيقظ الأحلام عند العرب, وهي العنيدة بعقلها وقلبها وفكرها.‏

دعوها تنتصر, فلا يليق بها سوى النصر, ودعوها تبتدع سبل الخلاص لأمة كادت أن تكفر بخلاصها في كل جهات الأرض, ودعوها تمر من تحت كل المكائد إلى برزخها الملون العابق بغار الانتصار, فلا شيء ترجوه من العرب سوى فرصة تمتحن فيها عروبتها ويقينها في هذا المثلث الذهبي, كي تغير وجه المنطقة.‏

فلنصغ إلى قراراتها في دفاتر الأيام المقبلة, ولنتعقب خطاها وهي تقود اللعبة الخطرة, في الفسيفساء المعقدة التي عرف العرب منذ قرون كيف يصنعون منها الخناجر ليتناحروا, ولم يعرفوا كيف يشحذون السيوف لحماية ثغورهم من موجات الغزو القادمة من خلف البحار.‏

ردت المقاومة بما ردت, وانفتحت رقعة الشطرنج اللبناني على كل الأخطار! في لحظات حاسمة من التاريخ, لابد أن ينتصر أحد, وأن ينهزم أحد, بالنقاط إذا لم يكن بالمطلق, والمقاومة لم تعرف غير النصر.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية