تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


في الملتقى الوطني الأول لإعلام الطفولة .. نحو إعلام وطني ينهض بواقع الطفولة و يلامسها في ظل الأزمة

مجتمع
الاثنين 18-11-2013
متابعة : منال السمّاك

مشاهد عنيفة .. أصوات غريبة تحفر أخاديد عميقة على جدران طفولتنا البريئة .. و هجمة إعلامية شرسة تنال من وطننا و تستهدفنا تاريخاً و حاضراً و مستقبلاً ، تنال من قيمنا و مبادئنا ،

وسائلها خبيثة تتسرب خلسة إلى بيوتنا عبر جهاز سحري له تأثير عجيب على النفوس و العقول ، و الأشد تأثراً شريحة الأطفال و الناشئة .. هم أمام الشاشة لأوقات طويلة فهل حضر إعلام الطفولة الوطني أم إنه غاب عنهم لينصرفوا إلى فضائيات غريبة عنا ، تحاول بشتى الوسائل أن تدس السم في العسل لتكون أباً غير صالح بالتنشئة الاجتماعية لأطفالنا في ظل أزمة أحوج ما نكون فيها لدعوة للتسامح والحب لبناء الوطن ؟!..‏

« شمس النور » تقرير طفولي مصور من إعداد الفضائية السورية تم عرضه في بداية الملتقى الإعلامي الوطني الأول للإعلام الطفولي و مهارات التواصل مع الأطفال الذي أقامته منظمة طلائع البعث بالتعاون مع وزارة التربية و الهيئة العامة للإذاعة و التلفزيون في مكتبة الأسد ، ترجم هذا التقرير ما يعانيه أطفال سورية كتلاميذ و طلاب مدارس في ظل الأزمة و التحديات التي تحيط بمسيرتهم التعليمية تحت شبح العنف الذي يتربص بأسوار مدارسهم .‏

صورة الطفل في إعلامنا‏

إنهم أطفال عركتهم الأزمة و كبروا قبل أوانهم ، ظهروا على وسائل الإعلام في صور مؤثرة كضحايا حرب و فئات عاجزة ضمن قوالب نمطية .. لقد قاربت الأزمة على الثلاث سنوات و إيقاع برامج الأطفال لم يتغير .. الملتقى سلط الضوء على واقع الإعلام الموجه لأطفالنا وسط اتهامات بتقصير شاشتنا الصغيرة بحقهم و إيلاء الاهتمام لبرامج سياسية تواكب الأزمة لا مكان للصغار فيها ، أجمع الحضور من محاضرين ومشاركين أنه من الضروري بمكان الاهتمام بشريحة الأطفال الذين يعدون الخاسر الأكبر في هذه الأزمة ، بل هم ضحية عنف و إجرام ينتشر في كل مكان يحيط بهم ، ما أذى نفسيتهم و ألقى ببعضهم ببيئة يسودها الفقر والخوف ..‏

و هنا تساؤل يطرح نفسه .. لماذا لا يتم إطلاق محطة خاصة بالأطفال على الصعيد المحلي تحاكي قيمنا و مبادئنا الاجتماعية و الوطنية ، في وقت تتكالب المحطات الفضائية الأخرى لاستهداف أطفالنا لزعزعة انتمائهم و تحريضهم على العنف و اعتناق عادات غريبة عن مجتمعنا السوري .‏

برامج محلية لا مستوردة‏

طرح المشاركون عدة تساؤلات تناولت أسباب ضعف إنتاج البرامج المخصصة للأطفال و تجاهلها للكثير من حاجات الطفل و خصائصه النفسية ، فأكثر البرامج يتم استيرادها لتقدم مترجمة و مدبلجة ، في حين يمكن تخصيص قناة تربوية تجذب أطفالنا و تستهويهم ، لتكون قناة تربوية و ترفيهية مسلية بعيداً عن الإلقاء و الدروس الجامدة ، تحت إشراف متخصصين تربويين و نفسيين على خبرة بأقنية التواصل مع عالم الطفل ، بحيث تنافس المحطات العربية و الأجنبية ، لننأى بالطفل عن برامج تحمل ماركة مستوردة لها رسالة مشبوهة و غايات غير بريئة .‏

أهمية كبيرة يحظى بها هذا الملتقى في ظروف يجمع بها المسؤولون و المتخصصون على خصوصية هذه المرحلة من عمر الطفل ، و أهمية التصدي لذاك السيل الجارف من الإعلام و ضخ المعلومات عبر وسائل إعلامية متنوعة ، و أن يتم تخصيص مساحة واسعة للطفل في إعلام يعالج آثار الأزمة ويقي من حرب إعلامية تستهدف بناة المستقبل ..‏

في تصريح للدكتور هزوان الوز وزير التربية تحدث عن الإعلام ووصفه بأنه سلاح فتاك لذلك ينبغي استخدامه بشكل صحيح ليكون دوره أكثر فعالية خاصة في ظل الأزمة التي تعيشها سورية ، و بالأخص الإعلام الطفولي الذي لم يأخذ دوره كما ينبغي و هناك تقصير بحقه و المساحة المخصصة للأطفال في قنواتنا التربوية قليلة جداً هذا إن لم تكن معدومة، فالقنوات التربوية لم تحقق الفاعلية المطلوبة من إحداثها لتواجه التشويه الذي لامس القيم الطفولية ، فقد تم تشويه الكثير من القيم ونما الفكر المتطرف الذي كان من أخطر نتائجه تنمية الغرائز بدل المنطق والعقل ، ما يؤدي في حال توفر بيئة ذهنية انفعالية لها إلى سهولة انقياد أطفالنا بتحريض من بعض القنوات الإعلامية المغرضة الشريكة الأساسية في الهجمة الشرسة التي تشن على سورية..‏

وأضاف د . الوز : تحديات كبيرة واجهت القطاع التربوي بكوادره و أطفاله بسبب استهدافه المباشر ، و رغم ذلك فقد تم إقلاع العام الدراسي بموعده وهذا كان هو رهان الوطن الرابح ، وبقدر ما تكون تنشئة هؤلاء الأطفال سليمة بقدر ما يكون مستقبل مشرق لسورية ، و هذا لا يتم إلا بالتعاون والتنسيق بين جميع الوزارات والمنظمات والجهات المعنية من أجل النهوض بواقع الطفولة وقضاياها المهمة .‏

و حول دور الإعلام في ملامسة قضايا الطفولة في هذه الظروف أكدت وزيرة الثقافة الدكتورة لبانة مشوح في تصريح للإعلاميين أن وزارة الثقافة معنية بتنشئة الأطفال وزرع القيم النبيلة في نفوسهم ، ووزارة الثقافة سعيدة بالتعاون مع وزارة التربية في مرحلة الوطن بأمس الحاجة فيها إلى التعاون و تشابك الأيدي لزرع الأخلاق النبيلة والمحبة في نفوس هذا الجيل الصاعد ، و لا شك أن هناك قنوات تربوية تعنى بالأطفال ولكن الإعلام يجب أن يخصص حيزاً كبيراً من وقته لمخاطبة الشباب و الجيل الناشئ لأنهم الشريحة الأوسع بمجتمعنا ، لا أن تحجز المساحة الأوسع للمحللين السياسيين .. و كذلك ينبغي التوجه للمرأة التي تعد عماد الأسرة فهي المربي والمنشئ ، والعمل على مخاطبة كل أفراد الأسرة بأدوات تخاطب العقل والنفس بلغة العصر وليس بلغة ممجوجة بآلية يرفضها العقل أو بالأدوات المباشرة ، ولا شك أن الإعلام السوري قد خطا خطوات لابأس بها بهذا المجال ، كما أشارت د. مشوح إلى ضرورة العمل للتشبيك بين كل الوزارات ، فالتشبيك يؤدي إلى التكامل الذي يعد أمراً ضرورياً في هذه المرحلة ، للوصول إلى واقع إعلامي يتسم بلغة عصرية بأدوات متطورة توفرها التقنيات الحديثة .‏

تكريس القيم الإنسانية و الوطنية‏

و في لقاء مع الدكتور خلف المفتاح عضو القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي - معاون وزير الإعلام أكد أن للإعلام دوراً كبيراً ليس في نفسية الطفل فقط ، و إنما في تشكيل وعيه البصري و موقفه تجاه الكثير من القضايا و المشاهد التي يراها على الشاشة ، و التي يمكن أن تؤثر على سلوكه و نفسيته ، لذلك على الإعلام يكرس المزيد من القيم و إظهار البعد الإنساني و الإيجابي في إطار من المفاهيم الدينية والأخلاقية ، كي لا تتشكل لديه صور انطباعية يراها بشكل مغاير لما يقرؤه أو يراه على الشاشة ، و الإعلام التربوي له دور في هذا المجال من خلال مواقف سلوكية و أعمال فنية يساهم بها الأطفال للتخفيف من الآثار السلبية للأزمة .‏

و لفت الدكتور عزت عربي كاتبي رئيس منظمة الطلائع إلى أنه آن الأوان كي نولي إعلام الطفولة كل الاهتمام باعتباره من أهم عوامل التنشئة الاجتماعية ، و أهمية تضافر جهود المختصين لتحديد الخصائص النفسية للأطفال المتلقين للرسائل الإعلامية ، لتحصينهم من الإعلام المعادي الذي يستهدفهم ، و مساعدتهم على تجاوز مشاهد العنف ، و أكد د.كاتبي أن أهمية الملتقى تنطلق من التطلع لإعلام وطني يسهم بالوقاية و العلاج لما يتعرض له أطفالنا و ما يترتب عليه من آثار سلبية ، و الوصول إلى مقترحات و توصيات و حلول عملية لتطوير الإعلام السوري الطفولي ، و تحديد مدى تأثير وسائل الإعلام على أطفالنا ، و وضع أساليب معالجة المشكلات ومكافحة الظواهر السلبية و تعزيز السلوك الإيجابي لدى أبنائنا لتعميق مفاهيم التربية الديمقراطية وثقافة المواطنة والتواصل الحضاري .‏

وعن أهمية وضع ضوابط للإعلام الطفولي أكد وضاح سواس - رئيس مكتب التربية التقنية و المعلوماتية - المشرف العام على الملتقى في لقاء مع الثورة أن ما سينتج عن الملتقى من نتائج و توصيات سيحظى باهتمام المعنيين و الجهات المسؤولة عن الإعلام و سيبنى عليه الملتقى الثاني ، فمن المهم جداً تحديد ضوابط و إطارات للإعلام الموجه للطفل ، و تابع بالقول : نحن كمنظمة طفولية أمام إعلام مفتوح شوه التاريخ والواقع و حرض على العنف ، و منظمة الطلائع ليست وحدها المعنية بل نحن بحاجة للتشاركية ، و الإعلام يلعب دوراً أساسياً إضافة للجمعيات المعنية بالطفل ، و معاً نشكل حصناً يحمي الطفل من سيل إعلامي جارف ، و نحن نسعى لتطوير برامج الأطفال و لدينا استراتيجية لتنويعها و إغنائها ، والآن لدينا توجه لتخصيص الطفل ببرنامج مدته خمسون دقيقة على قناة تلاقي ، كما ينبغي التأكيد على دور الأسرة في حماية الطفل وتحديد ضوابط لما يشاهد أطفالهم .‏

تضافر جهود‏

و تحدث ماهر الخولي مدير قناة تلاقي - ممثل الهيئة العامة للإذاعة و التلفزيون عن أهمية الملتقى في ظل الظروف الراهنة و إلى أي مدى ساهم الإعلام في بناء تفكير جديد سليم يكون فيه أطفالنا أصحاب فكر ، بعيداً عن الصور المشبعة بالدماء و الحقائب المدرسية الممزقة و أصوات القصف و رائحة البارود و مشاهد الموت ، و تابع بالقول .. نحن بحاجة إلى تضافر جميع جهود المشاركين في هذا الملتقى من اختصاصيين وإعلاميين و بالطاقة القصوى و الخروج بمقترحات فعّالة وبنّاءة يمكن تطبيقها على أرض الواقع ، ونطالب المعنيين أن يبذلوا أقصى ما عندهم لبناء جيل واعد قادر على بناء سورية ، و علينا الآن أن نساندها في محنتها و نكون معها في ولادتها الجديدة ، ونحن في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون نعدكم أن نقدم أقصى ما لدينا لإنجاح كل المبادرات التي تعنى بالطفولة من أجل سورية أحلى .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية