تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


كواليس المبدعين.. من المعارك الثقافية إلى الخلاف والإقصاء..لِمَ لانعترف بثقافتهم وبإشعاعاتهم الإبداعية..؟!

ثقافة
الاثنين 18-11-2013
هفاف ميهوب

يسعى المبدع, وباختلافِ طموحه وقدرته على خلقِ عوالمٍ تجعل للحياة معنى.. يسعى للمغامرة بحثاً في مجاهلِ الحياة, ومن أجلِ أن يستخرجَ من فضاءاتِ سيرورتها, ما يتألق به وجوده, وسواء عن طريق أفكاره أو أنامله. وهكذا, إلى أن يبتكر من القصصِ أو الرواياتِ أو اللوحات أو المنحوتات, مايجسِّد حكايا حيّة لا قتيلة.

‏‏‏‏

إنه من ينحتُ في المستحيل سعياً لاستخراجِ الميتِ من الحي. ذلك الحيّ الذي يحتاج لمن يطلقه إلى النور.. إلى حيث يقول للظلام: سأهزمك بإشعاعاتي الواعية والحضارية.. الإشعاعات التي اضطرَّنا خفوت أو تواري نورها, لسؤال بعض المبدعين: لماذا لا نعترف إلا نادراً بمن يُطلقها, وهل يعود عدم الاعتراف هذا إلى اختلافٍ في الأفكار, إم أن الأمر عبارة عن خلافٍ يراد منه التقليل من أهمية ما ابتكر, وبدءاً من الأوساط الثقافية؟.‏‏‏‏

خالد أبو خالد - شاعر:‏‏‏‏

‏‏

هناك عدة أسباب أهمها.. تضخُّم الذات‏‏‏‏

لعدمِ اعترفنا بالمثقف وإنجازاته الإبداعية عدة أسباب وعدة عوامل من أهمها, الإحساس بتضخّم الذات. حيث يستسهل أي مثقف القول بأنه, لا مثقف قبلي ولا بعدي, وهذا له علاقة بالأمراض الاجتماعية التي لا تضع في الاعتبار أن هذا المثقف, جزء من منظومة إنسانية كاملة, وأن الناس يتكاملون أحدهم مع الآخر, ولا يمكن التغلب على مثل هذه الحالة, إلا بتكثيف التوعية باتجاهين. الاتجاه الأول, هو الاعتراف أن الإنسان غير مخلوع الجذور وأن الصراع في الحياة ليس صراعاً بين أنداد ولا بين أجيال. الصراع يكون في مواجهة العدو الاجتماعي والسياسي, فإذا استوعب المثقف ذلك, وقد استوعب كثيرون, لن يكون هناك سوى الاعتراف بالمقابل. الإنسان المُقابل وليس الآخر, فالمثقف في مجتمعه ليس آخر, لأنه بالأساس, ينتمي إلى الوجدان الجمعي والثقافي. لكن هذا, يحتاج بالطبع إلى انفتاح حتى يغدو تعميم هذا الفهم ممكناً, بحيث يشمل الشرائح الأوسع من المثقفين.‏‏‏‏

إياد بلال - نحَّات:‏‏‏‏

‏‏

بعض المؤسسات الثقافية.. تدعم أنصاف المثقفين‏‏‏‏

أرى أولاً, وقبل أي شيء, أن علينا إعادة القراءة والنظر في المفاهيم والأسئلة الأساسية. علينا فعل هذا قبل الولوج إلى المسائل التي يُبحث عنها بأسئلة منها: ما هي الثقافة ومن المثقف؟.. ما معنى الوسط الثقافي؟.. كيف نشأ؟. وإلى ما هنالك من الأسئلة الأساسية الإشكالية.‏‏‏‏

بعد ذلك, وعندما أعي من هو الأخر, ومن هو الوسط, وهل يشكل هذا الوسط حالة حقيقية على الأرض, وباختلاف وتنوع هذا الوسط الذي يُعتبر ممثل حقيقي للمكان والزمان والمجتمع.. عندما أعي ذلك, لابد لي أن أنظر إلى الأخر بتجرد يدفعني للتعامل مع منتجه الإبداعي كحامل فكري لمجمل تجليات المجتمع الذي نعيشه, وبالتالي هو تمثيل لثقافتنا الجمعية.‏‏‏‏

الإنصاف ليس على الأرض كما يقال ومن ينصف الحالة الإبداعية هو المتلقي والمثقف الأخر الذي يمتلك رؤية حقيقية متجردة. حتى المؤسسة الثقافية عندنا وبالرغم من ضحالتها, لا تسوِّق أو تدعم أو تتبنى, سوى أنصاف المبدعين والمثقفين, وهو ما يشكل إحدى أهم الإشكاليات التي تعاني منها الثقافة.‏‏‏‏

لاشكَّ أن الميدان الثقافي السوري يتسع لكل المبدعين الحقيقيين, وليس لأحد أن يأخذ مكان أحدٍ أو يحيِّده, فلكلٍّ فضاءه وعلى المؤسسة أن تلعب دورها الطبيعي المحرك والمحرض على الإبداع لأن ما يؤلم, أن يكون لدينا مثقفون حقيقيون لكنهم خارج الدائرة. مثقفون يستدعي وجودهم توسيع الدائرة لتشمل الجميع, وهو مدخل هام لقيام ميزان ثقافي حقيقي يفرز البخس عن الثمين, وبالتالي فان مقولة إنصاف الأخر تكون في موقعها الصحيح, ولنختلف بعدها على المفاهيم الأساسية وعلى طرق الرؤية والمنتج وصلاحيته وقيمته, وبقدر ما نختلف بقدر ما نقدم الأفضل.‏‏‏‏

الخلاف والاختلاف حالتان صحيتان تطوران في مكان وتلغيان في مكان آخر, والحرب الثقافية تقوم على الدخول إلى اختلافاتنا وتنوعاتنا وبالتالي إحداث خلافات لا يقع ضحيتها أساساً إلا المرضى والوصوليين, وأفضل ما في العمل الثقافي, الاختلاف لأنه يبعث على توالد ثالث قد يكون أهم من الاثنين أو قد يكون إضافة إلى الاثنين وهنا فإنه يغنيهما أو يوضحهما أو يصحح لهما, وقد يهدم فكرة ما ليعيد خلقها من جديد وربما يذوب الأنا بالآخر.‏‏‏‏

هذه الدينامكية في الفعل الثقافي دينامكية الاختلاف مبدعة... الاختلاف قد يكون ايجابياً مبدعاً أما الخلاف فقد يصبح هداماً.‏‏‏‏

نورس نابوتي - باحث موسيقي:‏‏‏‏

‏‏

مشكلة تعود.. لتكويننا المجتمعي المنقوص‏‏‏‏

للأسف, إن عدم الاعتراف بالآخر أو حتى عدم الإنصات له, هو أمرٌ موجود بكثافة في مجتمعنا, وخصوصا في الأوساط الثقافية, وأعتبر أن في ذلك مشكلة لها علاقة بالتكوين المجتمعي المنقوص الذي يبدأ بالنخبة الثقافية ليتدرَّج إلى باقي أفراد المجتمع.‏‏‏‏

نعم, إن عدم اعترافي بقدرات الآخرين هو أمرٌ يعود إلى تكويني. إلى تنشئتي الاجتماعية الخاطئة, وبالتالي ومثلما ينتقص من ثقافة أو إبداع الآخر, ينتقص أيضاً من ذاتي وثقافتي, وبالتالي تنشئتي الخاطئة التي تفرض عليّ ومنذ مراحل مبكرة, عدم استيعاب الآخر أو التقليل من شأن ثقافته.‏‏‏‏

أيضاً, وإن اعتبرنا الأمر عبارة عن خلاف, فالخلاف موجود لدى جميع الناس لكن, إن اعتبرناه اختلافا, فمن الضروري ألا يكون على حساب عدم الاعتراف بالآخر, بثقافته, بوجوده, وإلا فإن هذا الاختلاف لا يعبِّر إلا عن ثقافةٍ منقوصة. ثقافة تربى الذي يملكها على نقصٍ في إدراكه الذي لا يريد أن يعي بأن الآخرين ليسوا أقل ثقافة أو معرفة منه.‏‏‏‏

بكلِّ الأحوال, أعتقد أن لأصحاب القرار في المؤسسات المعرفية والثقافية, دورٌ كبير في هذا الموضوع, بل في هذه الظاهرة السلبية في حياتنا, وعلى كافة الأصعدة, وهنا, من الضروري أن يكون صاحب القرار حيادي بين الطرفين. أيضا, من الضروري ولكلِّ من لاينصت إلى الآخر ولا يعترف به, أن يدرك, بأن ثقافته إن لم توظَّف في خدمة الوطن وأبنائه ومثقفيه, فحتماً هي ثقافة محصورة بالشكل والبريستيج.. ثقافة أحادية الرؤية ولا معنى أو فائدة ترتجى منها.‏‏‏‏

كلمة أخيرة‏‏‏‏

مهما اختلفت الأسباب التي تجعل كُثرا من المثقفين وبتدرِّج وعيهم ومعرفتهم, يتعرضون للرفض وعدم الاهتمام وليس فقط ممن يعتبرون بأن لا ثقافة تعلو أو توازي ثقافتهم, وإنما أيضاً من المؤسسات الثقافية التي لا تهتم بهم ولا بتميّزهم أو رقي فكرهم. مهما اختلفت الأسباب, يبقى إصرار هذا المثقف على ألا يتوقف عن تقديم مايملكه من أفكارٍ ثقافية وحضارية وتنويرية, هو الاعتراف الأكبر بتميّز منطقهِ وأطروحاته وإبداعاته وسوى ذلك مما يجعل منه الناطق الأكثر جدارة بإثبات وجوده ومنطقه, بل المثقف الأقدر على أن يكون رسول أمّته التي يُفترض أن تتأثر بوعيه وتقتدي بحكمته, وهو ما نفتقد إليه في هذا الزمن الذي بات غالبيه مثقفيه صورة طبق النطق, وعما كان ينطق به مثقفو القبيلة ممن أورثونا إلغاء أي رأي إلا رأيهم وبكلِّ مايحمل من جهلٍ وفردية وانحياز وتنكُّرٍ للمنطق الحق.‏‏‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية