|
ثقافة يجب القضاء عليها،لأن كل محاولة لإلغاء الآخر لن يكتب لها النجاح، بل ربما تثير ما تثيره من النزاعات وتسعى إلى تضخيم الخلاف كما يحدث في بعض البرامج الفضائية التي تستضيف دائما ضيفاً من أقصى اليمين وضيفاً آخر من اقصى اليسار لإحداث الاثارة، وللأسف لم يعد أحد يلتزم بأدب الحوار ولم يعد يعرف أحد بأن رأيه صحيح يحتمل الخطأ ورأي غيره خطأ يحتمل الصواب ولكن ما الذي يحدث في كواليس الأوساط الثقافية هل هو اختلاف ام خلاف ؟ تقول الدكتورة نهلة عيسى نائب عميد كلية الإعلام: أن الوسط الثقافي لدينا فيه اختلافات أدت إلى خلافات، و طبيعي أن يكون هناك اختلافات وهذا يعد ميزة انسانية وحضارية, لأن البشر بطبيعتها مختلفة، والكون بأكمله مجبول على التناقض وهو بدوره جوهر الكون ولا أعني بالتناقض عدم الانسجام بل أعني ما يسمى دائرة الاكتمال على سبيل المثال الليل يكمله النهار والخير يظهر حسنه الشر، (الضد يظهر حسنه الضد). إذاً جوهر الكون يكمن في الاختلاف، لكن المشكلة في وسطنا الثقافي أن هذه الاختلافات والتي كان يجب أن تخلق حالة حوار وتفاعل غني، وحالة تنافس ايجابي من أجل الأفضل، تحولت إلى خلافات، لأنه ليس هناك حراك ثقافي بالمعنى الحقيقي للكلمة، بل لدينا دوائر ثقافية وهي دوائر أشبه بالدوائر الوظيفية أكثر منها حلقات حوار، والحقيقة لدينا موظفون ثقافيون وليس مثقفين بالمعنى الحقيقي للكلمة... بالإضافة إلى الجمود الثقافي، الذي قلص الحراك الثقافي إلى الحد الأدنى في المستويات كافة سواء على صعيد الفن، الثقافة، إنتاج الصورة، والصوت، وفيما يتعلق بالانتاج الفكري، ما أدى إلى حالة ازدحام شديد، وهو بدوره أفرز ما يسمى بأخلاق الزحمة من التطاحن والتنابذ و الاقتتال على الفتات، وخصوصاً أن العلاقة معدومة مع الطرف الأهم في معادلة الثقافة (الجمهور). منذ سنوات طويلة ليس لدينا منابر ثقافية يتواصل عبرها المثقف مع الجمهور، لأن الفضاء الحقيقي لأي مثقف هو الجمهور والناس، ونحن نفتقد لهذه المنابر، وبالتالي تحولنا إلى ما يسمى بالمقاهي الثقافية وهي مقاه لا يدور فيها سوى « النميمة « ورفض الآخر، فليس هناك جمهور يعدل الكفة ويعطي كل ذي حق حقه، ويرفض الغث ويحتفي بالسمين. ونضيف إلى ذلك أن مؤسساتنا الثقافية تعمل وفق الروتين الوظيفي بمعنى أنها تنتج مثقفين وظيفيين كل واحد منه مكلف بأداء وظيفة معينة ومطلوب في موسم ثقافي محدد، ما افرز في المجتمع وفي الوسط الثقافي بالتحديد اسياد وعبيد حيث تفتح لبعض فرص لظهور والنشر والإنتاج بينما يحرم منها البعض الآخر علماً أن هذه الفرص التي منحت للعض لم تثمر حراكاً وإن كانت قد اثمرت على المستوى المادي فقد فشلت ولم تفلح على المستوى الثقافي والفكري لأنها في الحقيقة لم تحدث تلك العلاقة مع الجمهور والأمثلة على ذلك كثيرة منها مهرجانات السينما التي تحتفي دائماً بالجمهور النخبوي ولا تلتفت إلى عامة الناس وهي بذلك لا تستطيع ان ترتقي بالذائقة لدى الجمهور العادي أما على صعيد الإنتاج الفكري والابداعي (القصة، الشعر، الرواية) والفكر عامة الفلسفة والعلوم وغيرها فنراه إنتاجاً في اغلبه حبيس مستودعات المؤسسة على أهميته، لأن عملية التسويق شديدة السوء رغم أن انتاج الكتاب في سورية يعتبر رخيصاً قياساً لدول أخرى، ناهيك عن العناوين غير المدروسة، في الوقت الذي تركنا فيه الأرصفة مباحة للكتب التي ترفض الآخر وتباع بأقل الأسعار لشبابنا ما ينتج لديهم ذهنية وهي ما نعانيه الآن. وتضيف الدكتورة عيسى أنه لو كان لدينا حراك ثقافي حقيقي لما وصلنا إلى ما يعيشه الوطن في وقتنا الحالي. لأن الحراك الثقافي في مضمونه يعني الحوار، النقاش، الاختلاف والبحث عن المشتركات، وهو متنفس وواحة وأفق لجميع الناس لتقول ما تريد وتنتمي إلى ما تريد. هذا الركود الثقافي أدى إلى التقوقع لدى المثقفين وانسحاب الجمهور عن كل ما يسمى نشاط ثقافي واتجاهه إلى الفضائيات والإعلام الذي يوهم بنقل المعرفة لكنه لا ينقل المعرفة بل وجهة نظر تبدو انها معرفة ما جعل عقول الشعب رهينة لما يسمى (عملية زرع النمط). نحن الآن بأمس الحاجة إلى إعادة هيكلية اجتماعية وثقافية وبالطبع ليست وزارة الثقافة هي المسؤولة الوحيدة عن ذلك بل الخلية الأولى في (الأسرة والمدرسة) فثقافتنا المجتمعية ثقافة اقصائية فاذا لم نبدأ بتغيير هذا الفكر وإحلال فكر جديد مكانه لن يكون لدينا يوماً حالة ثقافة صحية، فما فائدة الثقافة إذا لم تكن في خدمة الارتقاء الإنساني والوجداني والحضاري، وإذا لم تشكل حالة تعبوية تدفع باتجاه النور ونبث ما يسمى بالاصطفافات الضيقة والأفكار. ونعترف أن لدينا اختلافات في مؤسساتنا الثقافية وغيرها كرست على مدى سنوات طويلة بيئة اجتماعية حاضنة للرفض وبيئة وظيفية تشجع على هذا الرفض لأنها بيئة غير عابرة والذي يدفع الثمن الأعظم في هذا المناخ هو شبابنا الذين تركوا في مهب الريح ليختار كل واحد منه انتماءه عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو الفضائيات التي جل خطابها طائفي، تعبوي، تكفيري يرفض أي فكر سوى الفكر الذي يدافع عنه. |
|