تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


بطرس: القبول غنىً.. والاختلاف نعمة

ثقافة
الاثنين 18-11-2013
عمار النعمة

بات جلياً أن هناك ثمة خلافاً واختلافاً في الأوساط الثقافية وهذه سنة الكون, فالاختلاف الثقافي والفكري في العموم يُعتبر نضجاً وتنوّعاً ثرياً غزيراً يمنح إضافة هامة للمجتمع وللمثقفين ذاتهم,

لكن عندما يتحول هذا الاختلاف في الرؤى ووجهات النظر لثرثرة لاتخلو من الانتقاد والشتم غير المبرر, ويصبح لا أحد يعترف أو ينصف الآخر, فهنا المصيبة الكبرى, وحتى لا نعمم على المثقفين فقط، نستطيع القول إن الحالة تبدو منتشرة في معظم الأوساط... فمتى سنخرج من هذه الزاوية الضيقة والمظلمة إلى عالم يسوده المحبة والنقد البنّاء والملاحظات الدقيقة والهامة؟!!‏‏‏‏

‏‏

الثورة التقت الدكتور عاطف بطرس فقال: في العلوم الإنسانية من الصعب أن نصل إلى أحكام قاطعة خاصة إذا تعلق الأمر بالقضايا الأدبية, فالتباين بالآراء أمر مشروع, طالما أن القضية متعلقة بالذائقة التي هي بالأساس مكون ثقافي معرفي, وبالتالي تختلف الآراء والمواقف باختلاف المكونات الثقافية المشكّلة للذائقة, انطلاقاً من هذا التأسيس يصبح تعدد وجهات النظر أمراً طبيعياً لا بل ضروري, فتعدد زوايا الرؤيا يقرب من الحقيقة... هذا شيء, أما التباين بوجهات النظر إلى حد التناقض بالأحكام والمواقف حيث نصدر اليوم حكما على نص أو إنتاج أدبي بالتميز والجودة ثم في الغد نصدر حكما متباينا ومتناقضاً له, هذه المسألة تتعلق بما يسمى عطب الذائقة أو تشوهها.‏‏‏‏

في الأوساط الأدبية نتيجة التباين, منسوب الأمزجة والمرجعيات المعرفية نجد في كثير من الأحيان أحكاما خلافية, وهذا أمر مفهوم, أما الاستخفاف برأي الآخرين والاستهتار به وإلقاء الشتائم والقذف هو سلوك لاعلاقة له لا بالمعرفة ولا بأدواتها, ولايمكن قبوله بحجة التنوع والخلاف...‏‏‏‏

فلو مارس كل منا بعض المعايير التي يطبّقها على الآخرين ووضع آراءه ومواقفه وأفكاره على مشرحة النقد وفق نفس المعايير التي يطبقها على الآخرين, لتلافينا بعض الظواهر التي لاتليق بمن يمارسون الاختلاف ويدّعونه, فالنقد المزدوج وأعني به هنا أن نجعل من ذواتنا موضوعاً للتأمل والتفكير ومن ذائقتنا منتجاً متغيراً ومتطوراً بشكل دائم, لايغفل العلاقة بين الثابت والمتحول في بنية الشخصية الإنسانية, فليس ثمة حقائق مطلقة, ولكن دون حقائق نستند عليها تكون بمثابة المعيار لايمكننا أن نطلق أحكام صائبة, مع أن المعايير متغيرة ومنزاحة وفقاً لمتغيرات النصوص التي تستخلص منها.‏‏‏‏

وأضاف بطرس: علينا أن نأخذ بمفهوم النقد الرحيم, فكيف نجيز لأنفسنا مالا نجيزه للآخرين, فعندما نضع ذواتنا على مشرحة النقد لايمكن أن نسيء إليها أو أن نهدف إلى تحطيمها والاستخفاف بها, ممارسة هذه العملية على الذات تغير من طبائعنا وترسخ فينا ملكة التعاطف مع إنتاج الآخرين والشعور بالسعادة وكأنه إنتاجنا, وبذلك نكتسب طبيعة جديدة تقوم على احترام الآخرين والنظر إلى مايقدمون بعين لاتبدي المساوئ ولاتقوم على إنكار إبداع الآخرين والتقليل من أهميتهم.‏‏‏‏

معروف أن التناقض جوهر الشخصية الإنسانية, والتعدد من أهم مكوناتها ومحفزات تطورها, فكيف نقبل الاختلاف والتعدد في بنيتنا الشخصية ونرفضه بالمجتمع, أليس المجتمع عبارة عن حاصل تفاعل أنوات أفراده؟‏‏‏‏

الاختلاف إذاً والتنوع حاجة إنسانية وضرورة مجتمعية تكتسب أهمية استثنائية في البيئات ذات التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية متعددة الأنماط والتي تتصف بالتحولات السريعة بسبب عدم اكتمال وتبلور مكوناتها الاجتماعية, فكلما تعددت الآراء واختلفت المواقف وتباينت الأحكام كلما زاد غنى الواقع واستطعنا كشف أغواره العميقة التي من الصعب أن يستجلي كنهها فرد واحد أو مسبار لايقوم على التنوع والتكامل.‏‏‏‏

ammaralnameh@hotmial.com‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية