تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


لا تقل لي: إعلام حرّ...

آراء
الخميس 25-10-2012
ديب علي حسن

الحقيقة ما قبل جبال البيرنيه خطأ ما بعدها، ليست مقولتي، ولا هي عربية من مأثوراتنا، هي مقولة غربية تفضح حقيقة المجتمع الذي أطلقها وسوقها.. وهي اليوم تبدو جلية ناصعة، فالغرب الذي أرهقنا بمقولات الحرية والديمقراطية،

والإعلام الحرّ، يكشف عن وجهه القبيح دفعة واحدة دون مواربة، بالتأكيد كنا نعرف هذا الوجه نرى ملامحه من خلف قفازات التحرير التي تحاول أن تخفي الكثير.. أشرنا إلى ذلك تحدثنا عنه لكن صوت التضليل كان الأقوى.‏

اليوم كشف الغرب عما خبأه وراء قفازاته لم يخجل أن يعلن أن الحرية التي يريدها لنا هي أن نقتتل، أن نحترب.‏

ترك لنا الفضاء نملؤه بـ 800 قناة فضائية تبث الخلاعة والعهر تساندها المئات من قنوات الفتنة المذهبية ونشر الحقد والتعصب.. وتساند هذا الضخ الموجه (خنزيرة وعبرية) تكشفت أدوارهما دفعة واحدة وبلا مساحيق..‏

فلا تقل لي: إعلام حرّ وحرية إعلام.. أسألك: أين هي في العالم..؟! هل هي في قطع بث القنوات الفضائية السورية؟! قنوات لم تكن إلا صوت الحق ونبض الناس.. هل فاضت هذه القنوات بالسموم والأحقاد وغسلت عقول أجيال وربتهم على الكراهية؟! بالتأكيد لا..‏

هل لمدّعي حرية الإعلام ومنظريه أن يشرحوا لنا هذه المفارقة..‏

يروى أن المفتش الفرنسي دخل ذات يوم على مدرسة في لواء اسكندرون وكان الاستاذ زكي الأرسوزي يدرس طلابه معنى الحرية وكيف تطلب.. فما كان من المفتش الفرنسي إلا أن عاتبه قائلاً: هذه دروس لنا في مدارسنا في جامعاتنا ليست لكم هنا!!‏

هل حرية الإعلام لهم وحدهم.. وهل هي حرية حقيقية؟ ربما من زار الدول الغربية ونزل حتى في أرقى وأفخم فنادقها يعرف أنهم يحددون ثلاث أو أربع أو خمس قنوات فضائية ملزم النزلاء أن يروها فليس أمامهم إلا خياراتهم.. لن يرى الفضائية السورية ولا العالم ولا المنار ولا حتى محطات الجوار وبالتأكيد لن تنوء أسطحة منازلهم بآلاف الصحون اللاقطة ونرى غابة من الصدأ والتلوث البصري وما يحمله من رسائل إعلامية موجهة إلينا تغسل العقول وتدمر البنية الثقافية والاجتماعية والإنسانية.‏

والآن يتحدثون عن الحرية.. أي حرية.. كيف يستوي أن تحجب صوت الآخر وأنت تدعو إلى الحرية.. كيف أصدقك وأنت تمارس التضليل بمختلف ألوانه وأنواعه.. وبالتأكيد لم يكن من فراغ ما كتبه نبيل دجاني ذات يوم ونشر في كتاب: العرب والإعلام الفضائي إذ قال نبيل دجاني: هذا نص رسالة بالبريد الالكتروني استلمتها أخيراً هاجم كلب شرس طفلاً في حديقة في مدينة نيويورك، رأى أحد المارة ما حدث فهرع للمساعدة وانقض على الكلب الشرس وقتله، صحافي في إحدى الصحف المحلية بمدينة نيويورك شاهد ما حصل وأخذ بعض الصور للحادثة ليضعها في الصفحة الأولى من الجريدة التي يعمل لها..‏

اقترب الصحافي من الرجل وقال له: شجاعتك البطولية سوف تنشر في عدد يوم غد تحت عنوان: (شجاع من نيويورك ينقذ ولداً) أجابه الرجل الشجاع أنه ليس من نيويورك فقال الصحافي في هذه الحالة سوف نضع العنوان شجاع أميركي أنقذ ولداً من كلب شرس أجاب الرجل الشجاع: أنا لست أميركياً أيضاً أنا من باكستان.. في اليوم التالي صدرت الصحيفة وكان عنوان الخبر في الصفحة الأولى (مسلم متطرف ينقض على كلب في حديقة في نيويورك ويودي بحياته، مكتب التحقيقات الاتحادي بدأ التحقيق).‏

وقعت الحادثة أم لا فهي مثال واقعي على قدرة التضليل الإعلامي وممارسته دوراً تخريبياً موجهاً، ويأتيك من يؤستذ علينا بالإعلام وحريته... ضيوف محللون من باب أنهم واقعيون ومن على شاشاتنا الوطنية يصولون ويجولون بادئين بالحديث عن القفزة التي حدثت في إعلامنا وعن طيف الحرية الذي تحقق لنذهب معهم إلى النهاية ولنوافقهم لكن يجب أن نهمس في آذانهم أن التطور المهني يجب أن يبقى همنا الأساسي ولكنكم كنتم غافلين عنه لم تولوه أي اهتمام لم يترك إعلامنا قضية إلا وتناولها كان وسيبقى صوت الناس ونبضهم، لم يفرض عليه أحد ما أي أمر.. لم تقمع حريته، بل صال وجال إعلاميونا ومسؤولونا طنشوا وقالوا اكتبوا ماشئتم ونحن نرد كما يحلو لنا.‏

إعلامنا بخير، لن يضيق الفضاء عليه لن ينكفئ.. شهادة له وسام نعتز به، ووصمة عار بحق من يدعي أنه راع للحريات والديمقراطيات أيها السادة المنذرون للنباح علينا من فضاء الآخر كفاكم، كفاكم وللغرب نذكرهم بقول الشاعر العربي:‏

لا تنه عن خلق وتأتي مثله‏

عار عليك إذا فعلت عظيم‏

d.hasan09@gmail.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية