تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


كيف يكون النصح..!

آراء
الخميس 25-10-2012
حنان درويش

تاريخنا القديم سجل حافل بالأمثال، هذا السجل لم يغفل عن رصد أي ظاهرة اجتماعية عبر سنوات طويلة فعبر عنها بكلمات قليلة ولخصها بعبارة قصيرة تغني عن الشرح المطول لكن هذا لا يعني أن كل ما قيل في مرحلته يصلح لمرحلة لاحقة ويتماشى مع التطور الحاصل ولكن بشكل عام أقول: إن المبادئ والأخلاقيات والسلوكيات لها خطوطها العريضة وإسقاطاتها الحياتية الدائمة.

أنا الآن بصدد مثل مازال أباؤنا يرددونه ومازلنا نحن نردده بشيء من التقليد عندما يلزم الأمر وهو ما يتعلق بموضوع النصح والإرشاد إذ يقول المثل: (كانت النصيحة بجمل فصارت بفضيحة) ولو اكتفى القائل بالشطر الأول من المثل لأدركنا على الفور أن المقصود من إطلاقه التذكير بقيمة النصيحة وما كانت عليه من مكانه، حيث يرد عليها بجمل وهو أغلى ما كان يملك المرء في ذلك الزمان، أما أن يكمل القول بالشطر الثاني فهنا نتوقف، إذ لا أعتقد أن الأحوال وصلت إلى درجة السوء في أيامنا هذه ليصبح من يسدي برأي أو نقد موضعاً للتقريع والتشهير.‏

فكلما ازداد التطور ازداد الوعي معه مضطرداً وبالتالي كبر الإحساس بقيمة النصح وما يمكن أن يحدثه في حياتنا من تغيير نحو الأفضل وأي تأثير إيجابي لها عندما يمر أحدنا بمشكلة أو أزمة.‏

إن الرأي المدروس هو أعظم هدية يمكن أن نقدمها أو نتلقاها في الظروف الحرجة تأتينا كشعاع أمل عبر ظلام دامس يهدينا سواء السبيل ويزيل عتمات النفوس ولكن تبقى هناك مسألة مهمة جداً في الموضوع.. مسألة تقول: لمن يقدم النصح وممن نتقبله؟ إذ ليس من المعقول أن نسمع النصيحة من شخص يمارس الخطأ الذي وقعنا بشراكه وجاء ليصب أوامره بأسلوب الملقن الواعظ.‏

مثل هذا الإنسان لا يستحق الاحترام أو الاصغاء لأنه ومن الواجب عليه أن ينصح نفسه أولاً ليكون القدوة لسواه ومثالاً أخلاقياً يحتذى وصاحب تجربة استفاد منها ثم قدم خلاصتها للآخرين.‏

وتروي الحكايات دوماً عن حكيم في قبيلة أو معلم في قرية يلجأ الناس إليه لالتماس الرأي والاستماع إلى نصائحه.‏

ومن المؤكد أن مكانته لم تأت عبثاً وإنما استحقها ببصيرته النافذة وحكمته الكبيرة وخبرته الطويلة ورؤيته الصحيحة للأمور واليوم ومع التطور الحاصل في المجتمع وعلى مختلف الصعد نجد أن نوعاً من التخصص قد حدث ضمن هذا المضمار، ففي المجلات تفرد صفحات لحل المشكلات التي ترد عبر الرسائل إليها كما أن المحامي يلعب دوراً مهماً في وضع الحلول لقضايا الآخرين،و للالتباسات التي يمكن أن تحدث خلال مسيرة حياتهم.‏

أما لمن نهدي العيوب؟ فأعتقد أن أغلب الناس المتوازنين لا يعطون آراءهم هكذا جزافاً كي لا يقعوا في مطبات هم بغنى عنها وكي لا يصلوا إلى نهاية النهاية التي وردت في الشطر الثاني من المثل الذي بدأت به المقال، لذلك يكتفي واحدنا بنصح المقربين منه كأفراد أسرته وأصدقائه وهذا واجبنا الآن حيالهم.‏

وفي هذه الظروف الصعبة التي تمر بها سورية حيث الجيل متوتر تأخذه أهواء ورياح لا يعرف إلى أين تودي به أو في أي مطب ترميه إذاً، نحن الآن حيال مهمة تربوية حساسة تفرض علينا أن نكون على جاهزية وإدراك حقيقي لمعالجة الحالات الإرباكية التي تواجه الأبناء على وجه الخصوص لننتقل بالبلد إلى مرحلة أكثر عافية وإرضاء.‏

أخيراً.. أرى أن المرء إذا ما استمع إلى وجهات نظر عديدة وبلورها في ذهنه ثم أضاف إليها رأيه الخاص فإنه حتماً سيخرج بنتيجة مرضية، وخصوصاً إذا ما قدم له النقد بأسلوب مدروس وهو مفتاح القضية، إذ يجعلنا الأسلوب الحسن نتقبلها ونتمثلها لأن كل أمر من أمور الحياة يحتاج إلى أسلوب ملائم.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية