تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


التهديدات الإسرائيلية لغزة... ذرائع واهية... وأهداف مستحيلة

شؤون سياسية
الأحد 11-4-2010م
محمد خير الجمالي

في الوقت الذي لم ينس فيه العالم بعد جرائم الحرب الإسرائيلية البشعة في قطاع غزة وقد رصدها تقرير غولدستون بكثير من التوثيق واعتبرها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية,

تصدر تهديدات متتابعة على ألسنة المسؤولين الإسرائيليين بشن حرب مماثلة إن لم تكن أشد إجراماً ووحشية ضد القطاع.‏

وقد صدرت هذه التهديدات في اطار حملة منظمة توازع المسؤولون الاسرائيليون الادوار في اطلاقهاواختلاق الذرائع الواهية لتغطية أي حرب مبيتة من ورائها كقول نتنياهو بأن إسرائيل (سترد بشكل حاسم وحازم على أي هجمات من القطاع تستهدف الإسرائيليين)) ولا يعرف أحد عن أي هجمات يتحدث..؟! وقول نائبه سليفان شالوم ((إن اسرائيل ستشن هجوما واسعا اذا استمر اطلاق الصواريخ عليها)) وقول وزير الحرب إيهود باراك ((إن الفلسطينيين سيدفعون الثمن باهظاً إذا ما حاولوا الإخلال بالتوازن)) رغم ان الصواريخ لاتشكل تهديدا ولا احد يقتنع بتوازن بين اسرائيل والفلسطينيين..!‏

ما الذي يجعل المسؤولين الإسرائيليين يدقون طبول الحرب ويحددون غزة هدفا لتهديداتهم؟ وماذا عن استهدافاتهم الأساسية من وراء هذه الحرب إذا ما قرروا خوضها في لحظة ما..؟.‏

عوامل عدة تجعل الحكومة الإسرائيلية تركز تهديداتها على غزة من أهمها غياب الرادع الدولي لجرائم حربها السابقة على غزة, وعجزها عن إسقاط عامل المقاومة من معادلات الصراع بعد أن تمكن من إحداث تغيير جذري في هذه المعادلات تجلى في تعطيل مفاعيل عامل التفوق والردع الإسرائيليين, وأخيراً الظن الإسرائيلي بأن القطاع وسط الحصار وتداعياته وشدة وطأته على سكانه يشكل هدفاً سهلاً لحرب ثانية عليه يراد بها التغطية على الوضع الاسرائيلي المأزوم والعزلة الدولية التي تحاصر حكومة نتنياهو بسبب سياستها الرافضة للسلام, اضافة الى الاعتقاد بإمكان اسرائيل تحمل تداعياتها الدولية عليها حتى وإن ارتكبت جرائم مماثلة لجرائم حربها السابقة عليها ما دامت ردود الفعل على تلك الجرائم ظلت في إطار الشجب والاستنكار وإبداء مشاعر الغضب والتوصيف القانوني والأخلاقي دون أن تبلغ مرحلة انعقاد المحكمة الجنائية الدولية للمساءلة والنظر فيها وإصدار الأحكام بحق المسؤولين الإسرائيليين من سياسيين وعسكريين عن هذه الجرائم.‏

ومن هنا تم اختلاق الذرائع حول هجمات فلسطينية وتهديد الصواريخ والاخلال بالتوازن لمجرد تسويغ الحرب وتصويرها على أنها الخيار الأخير الذي تجبر عليه إسرائيل, والدليل على كذبها هنا هو تصريحات صدرت عن مسؤولين اسرائيليين تربط التهديدات بتصفية حركة حماس لانها حركة مقاومة عنيدة ومقلقة لاسرائيل كقول شالوم بأنه اذا لم يكن امام اسرائيل غير خيار الحرب لتصفية حماس فستلجأ الى هذا الخيار, وقول تساحي هنغبي رئيس لجنة الخارجية والامن في الكنيست بأنه لامفر من خوض معركة مع حركة حماس رابطا بين تصفية المقاومة وتصفية فكرة اقامة الدولة الفلسطينية.‏

وعلى هذا فالاهداف البعيدة والحقيقية للتهديدات ومن ثم الحرب إن انقادت إليها إسرائيل –ويفترض هنا عدم استبعادها في ضوء ما عرف عن الحكومات الإسرائيلية من هوس بالحرب- هي أبعد ما تكون عن الذرائع الكاذبة التي تمت فبركتها لتضليل العالم, و تتصل بمسائل ذات طابع سياسي واستراتيجي بدأت ترخي بثقلها على حكومة نتنياهو وتهدد بانفراط عقدها, ما جعلها تفكر جدياً بالهروب إلى الأمام عبر التهديد بالحرب لتأجيل سقوطها المحتم.‏

واحدة من هذه المسائل تكمن في الخلاف الأميركي- الإسرائيلي الذي استعصى على الحل بالحوار ومحاولة الضغط السياسي على نتنياهو لتليين مواقفه أمام المطالب الأميركية, وبدا أن الحل الوحيد المتبقي لإنهائه هو بإسقاط هذه الحكومة عبر انسحاب حزب العمل منها والدعوة إلى انتخابات مبكرة تأتي بحكومة تكون مستعدة للتجاوب مع الإدارة الأميركية وطلباتها منها بخصوص الاستيطان والانخراط بجدية في جهود السلام, وهنا تبدو حكومة نتنياهو كمن يهرب من هذا المصير نحو الحرب على امل تأجيله على الاقل.‏

والمسألة الثانية تكمن في عجز إسرائيل عن معالجة الملف النووي الإيراني بالطريقة التي ترغب بها, إذ أخفقت في التحريض على فرض العقوبات ذات الانياب الحادة التي دعا نتنياهو إليها ضد إيران وبدت أعجز من أن تحرك ساكناً ضد منشآتها النووية خشية من تداعيات هذا السلوك الأرعن إذا ما استحكم في تفكيرها بعدما أبدت إيران جدية لا يشوبها الشك في الرد المناسب عليه, وبعدما حذر العالم كله من العواقب الكارثية لأي خيار عسكري إسرائيلي أو غيره ضد إيران, وهنا تبدو حكومة نتنياهو كمن يبحث عن غطاء لهذا العجز بتهديد غزة بالحرب.‏

أما المسألة الثالثة فتتعلق بالوضعية الراهنة للردع الاستراتيجي الاسرائيلي,فبعد سلسلة الهزائم التي منيت بها إسرائيل على أيدي المقاومة وخصوصاً منها هزيمتا حربي تموز وغزة, تآكلت قوة الردع الإسرائيلي وانعكس ذلك سلباً على نفوذ إسرائيل ومكانتها ودورها الوظيفي في المنطقة, وإلى الحد الذي بدأت تثار فيه الشكوك لدى المفكرين الاستراتيجيين الأميركيين والغربيين حول جدوى الاستمرار في النظر إلى إسرائيل كقوة لا يزال في الإمكان الاعتماد عليها لضمان مصالح الغرب, وينذر بتغيير محتمل في التفكير الاستراتيجي التقليدي لجهة البحث عن وسائل أخرى لضمان هذه المصالح من منطلق أن إسرائيل باتت بعجزها الاستراتيجي واستمرار الاعتماد عليها في ظل هذا العجز عبئاً على هذه المصالح نفسها, الامر الذي تسعى حكومة نتنياهو لتغييره بالحرب او بالتهديد بها ضد غزة.‏

هل بوسع اسرائيل القفز فوق هذه الحقائق الصعبىة...؟لانظن ان بوسعها ذلك لان الاهداف التي تضعها لتهديداتها ضد غزة اهداف مستحيلة لاقدرة لها على تحقيق اي منها, واذا كانت تعتقد بغير ذلك فهي ترتكب خطأ فادحا يوازيان لم يكن أكبر من الخطأ نفسه الذي ارتكبته مرتين, الأولى في حرب تموز والثانية في حرب غزة, اذ في كلا الحربين أخفقت في انتزاع أي من أهدافها السياسية والإستراتيجية فيهما, وفوق هذا لأن غزة حصن المقاومة المنيع ولن تكون بالهدف السهل لأي حرب.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية