|
معاً على الطريق وبالقياس على عمل هذا المربع ، سنجد تحركات مماثلة وكثيرة تمتد على كامل الرقعة. في البداية يطلب الممولون تجنب الانحياز السياسي ، ثم الحياد ، وأخيراً الانحياز المضاد لتلك البدايات البعيدة. في فلسطين مثلاً ، حيث النموذج أوضح ويذهب للأقصى، كانت تلك المنظمات تشترط عدم اعتماد تعبير الاستشهادي على من يعبر على جسده لمقاومة العدو، لأن الوصف ينثني على حكم قيمة إيجابية وعلى انحياز واضح لخيار دون الآخر ولأيديولوجيا صارخة تخدم معسكراً سياسياً محدداً، ما يجرد عمل المنظمة اللاحكومية من طابعها الإنساني ومن حيادها المطلوب. لا يلبث الحل أن يأتي سلساً ومقنعاً ، خاصة أنه لا يحمل سوى تغييراً طفيفاً لا يشكل بذاته خيانة أو انحرافاً .. أنه حل اعتماد صيغة العمل الفدائي، وهي أقرب للعمل المقاوم من صيغة الاستشهادي ذي الصبغة الدينية المحضة. الطرح مقبول ومنطقي ، لكن لن تمر بضع سنوات ، حتى يرتهن تدفق المعونات ، بتجريد الوصف من أي بعد سياسي أو قيمي، فيسقط وصف العمل الفدائي من أدبيات الجمعية الأهلية ويحل مكانه ( الكاميكاز) لأن بديلها العربي أي العمل الانتحاري مدان في كل الأديان السماوية. بضع سنوات أخر ، وقد نتحول إلى شهود بُكم على توصيف جديد ، ألا وهو العمل الإرهابي . وراء كل تعبير أو تصرف إرث دهاء ولائحة استحقاقات سياسية عاجلة أو مؤجلة ، إن استمر إصرارنا على التعامل معها ببراءة فلا نكون أكثر من سذج هانئين بغفلتنا. لننظر إلى تعبير التيار الاستسلامي ! هل هو بالفعل استسلامي، بمعنى هل كان بمواجهة عدو واستسلم ، أم أنه سلّم قبل أن يواجه؟ ألا نكون آنذاك أمام فعل خيانة وليس فقط تسليم أو حتى استسلام؟ ذاك تعبير يمر دون تدقيق، ومثله الكثير من الإجراءات والمواقف ، لعل آخرها الإفراج عن تسجيل اغتيال مجموعة صحفيين عراقيين من طائرة أمريكية. والسؤال هل الإفراج عن الشريط كان بمحض نيات طيبة ، أو أن الصحافة الغربية بالفعل تستطيع اختراق الحجب وإماطة اللثام عن أخطر الوثائق ، أم أنه ببساطة ولكن بدهاء هو مجرد تسريب مقصود لرفع الغطاء الأخلاقي عن الوجود العسكري الأمريكي في خطوة تمهيدية لانسحابها من العراق، لكن هذه المرة تحت ضغط الرأي العام الأمريكي. البراءة حلوة وتغوي لكنها مهلكة إن طغت. |
|