|
ثقافة أمام هذا الطائر الصغير تصغر أشجار السنديان المعمرة... والخروب...والقطلب... و البطم....و البلوط....و كل الأشجار و معها الجبال و تضيق المساحات لتملأ الفضاء صدحات طائر جميل يحني صدره و يزدهي بالرمادي إلى درجة البحر ولا يزن عشرة غرامات. وهو إلى صغره لا يخاف البرد و عواصف الشتاء، بل يأتي إلينا فقط حين يتأهب الشتاء ليجن جنونه، ربما بسبب التحدي المستمر لطائر يستمر في الغناء ولا يزن عشرة غرامات، ويتجاوز الربيع، ولا يقبل مع الصيف مقاماً...يجن جنون الشتاء. غاب أبو الحن عن قريتنا الشتاء الماضي. لم يحضر منه إلا نفر قليل تعب متهالك لا يحسن الغناء. بحثت عنه مراراً، و قالوا لي لعلها حرائق غابات و احراج اللاذقية أهرمته ومنعته من الوصول! حتى أبو الحن المغني الصغير كان من ضحايا الإرهاب. ومن حضوره هذا العام وفرقه السيمفونية التي تقيم حفلاتها كل صباح و مساء فتملأ الدنيا طرباً وحباً يمكن الاستدلال، أن الإرهابيين قد أنكفؤوا بشكل ما ومعهم حرائقهم، عن غابات اللاذقية. إن كان كذلك في مرة أخرى صورة لإرادة انتصار الحياة والحب والغناء، على الإرهاب و القتل و الدم. هذا يفرح القلب. و مما يدمي القلب، أن يكون أبو الحن المتوفر بكثافة في هذه الربى، إنما قصدها، بعضه و ليس كله، هارباً من موطن شتوي آخر له في غوطة دمشق شرقها و غربها. ولا بد أن تنتصر غوطة دمشق بالمقاومة و رفض الإرهاب و حب الحياة الذي هو من أهم خصائصها و شمائلها... و بغناء الشحارير و أبي الحن... كان للشحارير موسم هجرة أبي الحن ذاتها، تغادرنا في الربيع و تعود في الخريف لتستقر في الغوطة و على امتداد الغابات السورية طيلة فصل الشتاء. لكنه عشقت جمال دمشق، لطالما كانت دمشق دائماً مدينة جميلة، و استوطنت غوطتها و غابات الوطن السوري و بساتينه. يغير أبو الحن نغمات غنائه، فهو يغني بفرح جميل في هذه الأيام، بعد وصوله بالسلامة من رحلته الطويلة و إمضاء أيام الراحة. و في آخر الشتاء، وحين تحل طلائع الربيع يتأهب للرحيل مرسلاً بصوت شجي حزين، نغمات الوداع. إلى أين يا طائراً.... إلى أين و الدنيا تعد بالربيع و السلام و رحيل الدم و الحزن، وعودة الحياة.... إلى أين وهو موعد مهرجان الألوان.... لك الألوان كلها... لك الكاردينيا و الأبيض... و لك الغوطة و دمشق المدينة الجميلة. كله سيعود فأهدأ الآن. |
|