تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


السعوديّة .. في مواجهة المجتمع الدولي

شؤون سياسية
الثلاثاء 12-11-2013
د. عيسى الشماس

أثارت المواقف الأخيرة للمملكة السعوديّة جدلاً كبيراً بين المراقبين والمحلّلين ، تجسّد في مجموعة من التساؤلات حول طبيعة هذه المواقف وأهدافها ، في وقت شعرت السعوديّة أنّها تريد أن تعطي لنفسها (روزة ) في الحجم والوزن ،

ولكنّها فشلت في تحقيق ذلك ، سواء في العراق أم في مصر أو في سورية ؛ ولذلك أظهرت مواقف مختلفة علّها تلفت أنظار العالم إليها ، بينما العالم منشغل بأمور أخرى لا قيمة للسعودية فيها سوى أنّها أداة بأيدي الولايات المتحدة الأمريكيّة وحلفاءها في أوروبا ، بوصفها مصدراً نفطيّاً تستثمره شركات أمريكيّة وأوروبيّة ، في مقابل من يعملون على تشكيل عالم جديد متوازن ، فرضته التحوّلات السياسيّة والاقتصادية ، التي تتجّه بالعالم إلى نظام متعدّد الأقطاب ، وفي مقدّمتها (روسيا ، الصين ، إيران ) ، بعدما ثبت فشل دور نظام القطب الواحد ( الأمريكي ) في أعقاب تفكّك المنظومة السوفييتيّة .‏

وكان التساؤل الأكثر غرابة في المواقف السعودية ،حين أبدت المملكة استياءها من الأمم المتحدة عامة والامتناع عن إلقاء كلمتها في الجمعيّة العامة بدورتها الأخيرة ، ومن ثمّ الإعلان عن عدم قبولها مقعداً غير دائم في مجلس الأمن وذلك بعد ترشّحها وفوزها بالمقعد ، معلّلة عدم هذا القبول بالاحتجاج على ازدواجيّة المعايير التي تبنى عليها مواقف هذا المجلس وقراراته ، وتخاذله تجاه القضايا العربية ، ولا سيّما القضيّة الفلسطينيّة التي لم تكن السعودية تشعر بها منذ النكبة ( 1948 ) وحتى الآن ، إضافة إلى الاحتجاج الواضح والادّعاء الفاضح على موقف مجلس الأمن لأنّه لم يستجب لدعوات السعودية التحريضيّة والعدائيّة/ التصعيديّة السافرة تجاه الأزمة السورية ، حيث كانت شريكة فيها منذ البداية.‏

فلو كانت السعودية صادقة في احتجاجها ، وحريصة على مصلحة الشعب الفلسطيني، لكانت انسحبت من الأمم المتحدّة منذ زمن طويل ، ولأعلنت احتجاجها الصريح على موقف أسيادها في البيت الأبيض ، الذين مارسوا حقّ النقض ( الفيتو ) على أكثر من ستين قرار دولي تدين ممارسات الكيان الصهيوني في الأراضي الفلسطينية المحتلّة ، وتدعو إلى احترام حقوق الشعب الفلسطيني . فهل كان ملوك وأمراء آل سعود نائمين أم مطبقي العيون والنفوس عن كلّ ما يحدث في فلسطين المحتلّة طوال سبعة عقود ؟!‏

ولو كانت حريصة على الشعب السوري وإنهاء أزمته ، كما تدّعي ، لما شاركت في المؤامرة عليه ، من خلال دعم المعارضة المأجورة وإرسال المجموعات الإرهابية تحت أسماء وشعارات تكفيرية ، لا تمتّ إلى الإسلام بصلة ، من أجل ذبح الشعب السوري وتهجيره وتدمير مؤسّساته ، وحرمانه من نعمة الأمن والاستقرار التي كان ينعم بها،. ولو كانت معنية بحلّ الأزمة السورية ، لعمدت إلى إقناع المعارضة المأجورة بإلقاء السلاح والذهاب إلى مؤتمر جنيف 2 ، بدلاً من تحريضها على رفض المشاركة ، بينما يتجّه العالم كلّه نحو الحلّ السياسي ، ورفض الحلّ العسكري .‏

ولو كانت غيّورة على الشعب السوري ، لكانت كفّرت ، ولو بجزء يسير ، عن ذنوبها وجرائمها بحقّ الشعب السوري ، بالسماح للمسلمين منه أداء فريضة الحج التي هي حقّ لكلّ مسلم أينما كان ، ولا تقصر هذا الحقّ على فئة قليلة من عملاء العصابات الإرهابيّة المسلّحة ، لأنّ المقدّسات الإسلاميّة في (جزيرة العرب ) ليست ملكاً لآل سعود ، ولا يحقّ لهم منع أي مسلم أو حرمانه من زيارتها في أي وقت يشاء ، بينما يتشدّق الأمير / سلمان بن عبد العزيز / بقوله في 27/10/2013 « نعمة من الله أن تكون بلادنا قبلة المسلمين « وهو يعرف تاريخ وجودهم في هذه البلاد التي لا يمتّون إليها بصلة ، وإنّما اغتصبوها عنوة من أصحابها الحقيقيين .‏

ألا يندرج هذا الموقف السعودي / الوهابي ، ضمن إطار الإرهاب التكفيري والحرمان الروحي للشعب السوري المؤمن من أداء واجبه تجاه فريضة الحج ، لمن استطاع إليه سبيلا ؟ وهل هناك حرمان أقسى من هذا الحرمان ؟ فما الفرق بين هذا الموقف السعودي تجاه المسلمين السوريين ، وما يمارسه الكيان الصهيوني مع الفلسطينيين ، ويمنعهم في أحيان كثيرة من إقامة الشعائر الدينيّة ، وتأدية الصلوات في الأماكن المقدّسة ، ولا سيّما في المناسبات الدينيّة ، الإسلاميّة منها والمسيحيّة ؟!‏

فعن أية ازدوجية تتحدّث السعودية وهي غارقة في ازدواجية سياساتها ومواقفها، الداخليّة والخارجيّة ، حتى بين ملوكها وأمرائها؟ وهذا ما فضحه تقرير منظّمة حقوق الإنسان في اجتماعها ( 17/ 10/2013) بإدانته ممارسات المملكة السعوديّة القمعيّة وانتهاك حقوق الإنسان وطالب بمحاسبتها ، بينما كانت تعلن عن ترشيحها لعضوية هذه المنظّمة .‏

وجاء الموقف الأخير الذي أثار السخرية ، حين وجّهت السعوديّة انتقادات حادة للولايات المتحدة لتقرّبها من إيران ، في حين كانت السعوديّة نفسها تهرول لهذا التقارب من خلال دعوة الرئيس / روحاني/ لزيارة المملكة وأداء فريضة الحج ، فما عدا وما بدا؟ فهل كانت السعودية تسابق الولايات المتحدة وتنافسها لكسب مودّة إيران ، وهي تعرف إنّها ليست بالوزن الأمريكي ؟ أم أنّها تريد أن تعطي لنفسها وزناً ليس في حسابات أمريكا التي تعتبر السعودية وأمثالها أدوات مأمورة ، تستغني عنها حينما تنتهي صلاحيتها للعمل المطلوب لمصلحة الإدارة الأمريكيّة. والأمثلة كثيرة على ذلك في تونس ومصر وقطر وباكستان .. وغيرها من بلدان العالم التي تدور في فلك السياسة الأمريكيّة .‏

إنّ هذه المواقف السعودية الأخيرة ، سواء تجاه مجلس الأمن أم تجاه منظّمة حقوق الإنسان ، لم يغيّر من حقيقة مملكة آل سعود ، فالعالم كلّه يعرف طبيعتها ومنشؤها، كما يعرف سياستها وتابعيتها لمن كان وسيطاً فاعلاً في وجودها ، والمتجسّد في ثلاثية الاستعمار القديم الجديد ( بريطانيا + أمريكا + الصهيونيّة العالميّة )؛ وآل سعود يعرفون ذلك قبل غيرهم ؛ فأصولهم معروفة لا يستطيعون إنكارها ؛ وإذا كانت الفروع تتبع الأصول بحكم العوامل البيولوجية والوراثيّة ، فيفترض فيمن يعرف أصله أن يقف عنده، إلاّ إذا تنكّر لهذا الأصل أو عمد إلى قطعهأو تهجينه ..!!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية