تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ملامح ثقافة تغزونا ..?

ثقافة
الأربعاء 22/6/2005م
ديب علي حسن

ليس من باب المصادفة ان يكون للثقافة فضاؤها الواسع في كل شيء بدءا من تعدد الآراء في تعريفها , فأكثر المصطلحات بعدا عن الضبط بشكل عام مصطلح الثقافة

فلا تكاد تجد مرجعا يتفق والآخر في تعريف الثقافة وبغض النظر عن العودة الى الجذر اللغوي للفعل (ثقف) في اللغة العربية وما اصابه من تطور في الدلالة فإن الثقافة في مفهومها الواسع والشامل الذي يزداد اتساعا كل يوم, تزداد تداخلا وتشابكا فلا يكاد المرء يقع على شيء محدد يستجلي ظواهره حتى تقفز به المعطيات نحو ظواهر جديدة وعلى كل حال اذا كان التعريف الاوسع للثقافة يقول: انها النشاط الفكري والابداعي والاثر الذي يتركه الانسان في مختلف مجالات الحياة ونواحيها, وهي في هذا تشمل العادات والتقاليد والتراث تشمل ما نمارسه الآن من انماط سلوك وما نتخذه من مواقف ازاء ما يحيط بنا إنها باختصار الانسان سلوكا فاعلا ومنفعلا فالسلوك الفاعل هو الذي ينتج الابداع, او يتخذ الموقف , ويؤسس للسلوك المنفعل, وهنا يتداخل التربوي بما هو نفسي , بما هو سلوك اجتماعي حتى ليكاد المرء ان يقول : إنها اسلوب الحياة بشقيه المادي والمعنوي والمعنوي اولا , والمادي ثانيا.‏

تسليع الثقافة ..?‏

الغريب في الامر ان النشاط الثقافي الذي بدأ سلوكا فكريا ومعرفيا تحول بل صار في المحصلة سلعة تقاس بميزان الربح والخسارة وبدا ان النشاط الجمالي والابداعي والفكري وقد تحول الى رنين الذهب عند الكثيرين في العالم الثالث دون الوقوف عند مضامين ومحتويات هذه السلعة القادمة من الغرب اولا على شكل منتج تقني بدءا من ادوات الاتصال الاولى وصولا الى الانترنت وما بين القفزتين التقنيتين فالمحتوى المعرفي الذي يجب ان يكون منسجما مع ثقافة وتراث بلداننا لم يعد مهما عند الذين يفكرون بميزان الربح والخسارة فالمضمون المغري الجذاب المخرب هو المطلوب , ولذا نرى آلاف الاقراص ال¯ C .D تزور وتنسخ وتباع بسعرمغرٍ ولها زبائنها الذين يتابعون الجديد فيها ولكن ماذا لو فتشنا في الامر فهل سنجد الاقبال على اقراص الموسوعات العلمية والادبية والفكرية..? بالتأكيد لا .. وما اجمل لو ان آلاف الكتب من التراث ومما ينشر الآن تجد سرعة الانتشار التي تجدها اغنية هابطة لامرأة تتلوى وتبد وكأنها الثعبان الذي هجر وكره في عز الظهيرة.‏

هذا الانتشار السريع لأدوات الفتك الحديثة سيترك آثاره العاجلة ام الآجلة على اجيالنا , سلوكا وتفكيرا وقدرة على التمييز بين ما هو اصيل ورديء وتعمل هذه الادوات عملها بهدوء و بسرعة, سرعة الجذب الذي لا يقاوم لانعدام البديل المنافس سعرا وجاذبية اما الهدوء الذي نتحدث عنه ان مستهلكي هذه السلع صار بامكانهم ان يطمئنوا انها دخلت حياتنا دون استئذان , وليس هذا بل ان الاسرة كلها تتشارك في رؤية ومتابعة هذه السلع وهذا يعني ان الشرعية التي أضفتها الاسرة من خلال جلسات المشاهدة المشتركة عبر التلفاز او الوسائل الاخرى جعلت الابناء مطمئنين الى واقع الحال .. وقد يسأل سائل: ما البديل عن ذلك ولماذا نحن دائما في شك من كل ادوات المعرفة الحديثة وتقنياتها .‏

ولهذا السائل او المستغرب نقول : آمنا ان التلفاز اداة اتصال واعلام وربما رفاهية ولكن لماذا نجد وسائل التلفزة العالمية تحمل الرسالة الاعلامية التي تريدها وتنشرها في دمنا ولون عيوننا بل نكاد نقول انها تشكل هوية ابنائنا وتفكيرهم بينما نجد محطاتنا الفضائية العربية تصول وتجول في الحب والهيام , والمحطة لا تفعل ذلك تدور في فلك تحطيم ما تبقى من معالمنا الثقافية والحضارية بل وصل الامر ببعض المحطات ان تتخصص بكل ما يثير ويفرق بالبحث عن نكبات لجلد الذات وتقديم حضارتنا وثقافتنا قربانا للتبرك بالاخر, بل لا نستغرب ان يصل الامرفي يوم من الايام ان يدعوا ان تكون لكل عائلة ثقافة خاصة بها ولها تراثها ا لمجيد الذي يجب ان يتدخل العالم للحفاظ عليه ..‏

ثقافة الغبار..‏

هكذا صناعة ثقافية لا نعرف فيها الا ان نكون مستهلكين قادرين على تفريخها وتوزيعها بسرعة البرق , فهي ثقافة غبارية سوف تحيل حياتنا في يوم من الايام الى ربع خال ان لم تكن قد بدأت بفعل ذلك هذا التصحر الثقافي لا يبدو في ظاهرة الا على انه تواصل ثقافي نظن اننا وحسب الادعاء نعيش في قرية كونية واحدة نوافذنا تطل على الجيران بل نحن والجيران في منزل واحد ولكن الصحيح ان الجيران هم الذين أتوا الينا , وهم الذين يشيعون هذا النمط من التفكير وهم الذين يريدون لنا ان نبقى بلا نوافذ ولا اسطحة وحتى بلا ارض تقينا شر السقوط..‏

نعم هم معنا في القرية لكنهم مختلفون عنا يمارسون عاداتهم وتقاليدهم ويعمقون نمط تفكيرهم ويجددون ادواتهم ووسائل عيشهم وبمقدار ما نظن انهم يقتربون منا هم في واقع الامر يبتعدون ويحددون لنا مسارا علينا الا نحيد عنه نستهلك نعمل في دائرة مفرغة تتنازعنا ادواتهم الجهنمية في البحث عما يشوه قيمنا ومبادئنا ويغرينا بالعودة الى الجاهلية واين نحن من جاهلية شاعرنا العربي ا لذي قال ذات يوم ألا لا يجهلن احد علينا - فنجهل فوق جهل الجاهلينا .‏

ثقافة الغبار هذه تتراكم وتزداد , وربما تكون اكثر فتكا من الغبار النووي الذي يقضي على اشكال الحياة بينما هذا الغبار يفتك بين ابناء الثقافة الواحدة والحضارة الواحدة ويجعل الانسان اسير نزعة متوحشة نرى آثارها في اماكن كثيرة من العالم .‏

لا نريد لثقافتنا ان تصدأ ولا ان تكون في الوقت نفسه (جوهرة) مركونة على الرف لا نضيف اليها صقلا وابداعا ولكن كيف الطريق الى ذلك هذا ما حاول وزراء الثقافة العرب الذين اجتمعوا في الجزائر ان يبحثوا فيه وخرجوا وعلينا بدراسة مطولة تحت عنوان : سبل النهوض بالصناعات الثقافية في العالم الاسلامي ولنا مع هذه ا لدراسة وقفة في قادم الايام .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية