تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


البارك الشرقي.. الأسماك الصغيرة تفتن الحيتان الكبيرة… بعد رفع عصا المحافظة:هل تنجح سياسة الخطوة خطوة ?!

تحقيقات
الأربعاء 22/6/2005م
معن عاقل

ظاهرياً,ليس ثمة مشكلة في البارك الشرقي فمنذ ثلاثين عاماً استملكت الدولة جزءاً من المنطقة ونظمت جزءاً وقررت إنشاء حديقة بسبب حاجة دمشق إلى رئة خضراء وفسحة سماوية ومتنفس لسكانها.

الأهالي-أهالي البارك-بدورهم أعربوا عن استعدادهم لإخلاء المنطقة عندما تباشر المحافظة تنفيذ مشروعها. لكن أحدهم صرخ في وجهي قائلاً: زواج عتريس من فؤادة باطل...زواج عتريس من فؤادة باطل....إذاً, تحت السطح الراكد للمحيط هناك دوماً تيارات الأعماق العنيفة التي تحافظ على التوازن.وثمة روايات لا تنتهي عن استملاكات طال بها الزمن ولم ينفذ فيها أي مشروع واستملاكات أخرى عن مناطق متعددة بدمشق جنى منها بعض المتنفذين أرباحاً خيالية في حين أن أصحابها حصلوا على ا لقروش.‏‏‏

‏‏‏

المحافظة‏‏‏

تستملك على مسؤولية مديرية التنظيم والتخطيط العمراني‏‏‏

وتعدل قانوناً بقرار‏‏‏

وتشترط لدفع بدلات الاستملاك التنازل عن المنزل‏‏‏

وتتجاوز أحكاماً قضائية بالجملة‏‏‏

غسان نويلاتي: لايعرف شيئاً عن تجاوزات المحافظة‏‏‏

الأهالي : لم تدفع المحافظة أية بدلات استملاك إلا بعد حكم قضائي مبرم‏‏‏

خالد محمح : لسنا ضد الاستملاك من أجل حديقة عامة ولكن نطالب بأسعار عادلة‏‏‏

عبد الرزاق الحلواني: هل يعقل أن يخمن شظسعر المتر ب¯ 250 ل.س‏‏‏

عبد الفتاح الكردي : بعد هذا العمر البطالة تتهددني‏‏‏

المشكلة إذاً محكومة بمجموعة عوامل: التجارب السابقة المريرة للاستملاك وما رسخته في أذهان الناس من وجود شبكات مصالح خاصة متوارية خلف المصلحة العامة,العدالة والقانون ومسألة الخلل في علاقة الأفراد مع مؤسسات الدولة وما ينجم عنها من أحاسيس لدى المواطن أنه سيكون الضحية المقبلة بلا شك...وهكذا تتلخص المعادلة بفقدان الثقة بين طرفين : الأهالي والقائمون على الأمر في أروقة المؤسسات الحكومية المعنية بالاستملاك وعلى رأسها محافظة دمشق.‏‏‏

ناقش أحدهم المسألة على النحو التالي: لا أعرف بالضبط ظروف إصدار مرسوم الاستملاك رقم 678 عام 1975 وعلى الأرجح له مبرراته آنذاك,لكننا الآن نحتاج إلى أكبر مساحة خضراء ممكنة,وبالتالي هل توجد دراسة جدوى أو موازنة بين حالة المنطقة الراهنة كمنطقة زراعة داخلية وبين حالتها المأمولة كحديقة? وهل ستكون نسبة الأخضر أكبر في حالة الحديقة?!‏‏‏

رئيس الجمعية الفلاحية لحي جرجش خالد محمح أكد أن منطقة البارك تنتج يومياً حوالى5 أطنان حليب وحوالى 15طناً خضار مشكلة وتحوي 3000 رأس بقر و15 ألف طن لحم عجول وهناك خمسة مشافي حولها هي: ابن النفيس- حاميش- دار الشفاء-هشام سنان-الهلال الأحمر,أي أنها تشكل خزاناً غذائياً و بيئياً للمدينة.‏‏‏

ومن سيوقف زحف المخالفات إذا بقيت على هذه الحال?!‏‏‏

‏‏‏

ابتسم السيد محمح وأجاب: أراهنك أن تبنى أربع بلوكات دون علم البلدية بذلك,كان عدد المنازل عند صدور مرسوم الاستملاك 73 منزلاً والآن أصبح أكثر من 700 منزل, فهل تظن أن البلديات المتعاقبة لم تكن قادرة على منعه? أو الأصح ألم تكن راضية عنه?!‏‏‏

وعود على بدء: حسب القانون لا يجوز نزع الملكية والاستملاك إلا لأجل النفع العام, وعلى هذا الأساس استملكت المحافظة البارك عام 1975 واستملكت ما تبقى من منطقة زراعة داخلية (C)عام 2002 لكن المشكلة بدأت عند إعلانها استدراج عروض لتأسيس شركة خاصة لبناء وتطوير واستثمار البارك الشرقي وأصدرت دفتر شروط للاستثمار وصدقته, وتضمن إقامة مطاعم ومقاهي أنترنت وكافتيريات وملاعب رياضة وبرج عال مع ملحقاته وصالات أفراح ومدينة ملاهي ألعاب مائية وأكشاك وغرف هاتف ومراكز اتصالات وقطار نزهة وأركان منحوتات..باختصار,عبقت في الأجواء روائح ازكمت الأهالي وقفزت إلى آذانهم ذكرى من سبقوهم وراودتهم الشكوك والمخاوف من تحول الاستملاك لصالح النفع العام إلى استثمار لصالح المحافظة( أو متنفذي المحطة) وشركائها المجهولين, أو الأصح,غير المعلنين بعد..‏‏‏

لجأ بعض الأهالي إلى الجمعية العمومية ومحكمة القضاء الإداري ومجلس الدولة وتضافرت الآراء على أن المنشآت المنوي إقامتها في مجملها لا تأتلف ولا تنسجم مع غاية الاستملاك باستثناء بعض المنشآت التي تعد من مستلزمات الحديقة العامة وبالتالي فإن إعلان استدراج عروض لتأسيس شركة خاصة لا ينسجم مع مرسوم الاستملاك.وهنا عمدت المحافظة إلى الخروج من الباب,فطوت القرار المتضمن تصديق دفاتر الشروط الخاصة باستثمار البارك لكنها عادت -كما يعتقد الأهالي- للدخول من النافذة وبادرت إلى الاعلان عن مسابقة على مستوى الوطن العربي لاختيار أفضل مسابقة تنظيمية حدائقية عمرانية لإقامة بارك شرقي في مدينة دمشق مع تحقيق كافة متطلباته الخدمية,واستخدمت إعلانها لهذه المسابقة كمبرر لاستملاك ماتبقى من منطقة الزراعة الداخلية لتحقيق الانسجام العمراني فيها. أما لماذا لم تلجأ المحافظة الى الخبرات الوطنية العامة والخاصة -وهي متوفرة- فذلك ما قد يفصح عنه المستقبل يوماً ما.‏‏‏

هنا يبدأ تخبط المحافظة.فإذا كان استملاك عام 1975 صدر بمرسوم,فإن استكمال الاستملاك يخضع للمرسوم التشريعي رقم 5 لعام ,1982وبالتالي لا بد من وجود برنامج تخطيطي مصدق للتجمع السكاني قبل إصدار أي مخطط تنظيمي,وهو مالم يوجد, والطريف أن المحافظة سبق أن قررت استملاك أحد العقارات على مسؤولية مديرية التنظيم والتخطيط العمراني.‏‏‏

وانتقلت عدوى التخبط إلى باقي الوزارات,فجاء في رد وزارة الإدارة المحلية إلى رئاسة مجلس الوزراء حول شكوى أحد المواطنين بما يلي:‏‏‏

تم تعديل الصفة العمرانية لكامل منطقة البارك من 2 زراعة داخلية إلى 7 حديقة عامة وصدقت أصولاً بقرار وزارة الإسكان والمرافق رقم 671 تاريخ 9/7/1991 وذلك بغية تنفيذ حديقة عامة..الخ.‏‏‏

لكن القرار 671 يقرر مايلي:‏‏‏

إصدار المصور التنظيمي التفصيلي رقم 216 لتعديل الصفة العمرانية للعقارات الموضحة على المصور..وتخصيصها منشأة سياحية /فندق/ لصالح وزارة السياحة.‏‏‏

ووصل الأمر بالمحافظة إلى درجة تعديل القانون 3 تاريخ 15/11/1987 المقر من قبل مجلس الشعب المتضمن تصديق الاتفاق مع مجموعة عمران أدهم لإنشاء فندق سياحي وذلك بإصدارها القرار رقم 10/م.د.وأكثر من ذلك عرضت أملاكاً عامة ناتجة عن التنظيم مابين العدوي والإنشاءات للبيع إلى وزارة السياحة وبسعر 50 ألف ليرة للمتر الواحد.والأدهى أنها لم تعدل المصور العام إلا بعد الاستملاك وبعد اتخاذ إجراءاته.‏‏‏

لكن لعسف المحافظة -كما يقول الأهالي- وجوه أخرى,فقد قدرت سعر المتر للعقارات المستملكة عام 1975 بمئة ليرة سورية فقط وبعد أن رفع المالكون دعاوى على المحافظة أصبح سعر المتر بـ400 ل.س,واكتسبت الأحكام درجتها القطعية عام 1980 عندما كان الدولار ب¯ 4ل.س أي كانت قيمة المتر حوالي 100 دولار (حالياً 5000 ل.س) ولم يقبضوا مستحقاتهم إلا مع بداية عام 1998 حيث سعر الدولار حوالى 42 ل.س وهكذا ذهبت أراضيهم كما يقولون ببلاش.‏‏‏

الطريف أنها خمنت سعر المتر للعقارات المستملكة حديثاً ب¯ 250 ل.س يقول عبد الرزاق الحلواني هل من المعقول أن يكون سعر المتر بجوار أرضي 200 ألف ليرة وسعر المتر على الحزام الأخضر 250 ل.س? وكيف تحدد سعر المتر عام 80 ب¯ 400 ل.س والآن ب¯250 ل.س?!‏‏‏

‏‏‏

يضيف الحلواني : قبل الاستملاك بخمس سنوات والبلدية تتعامل معنا على أن أرضنا مستملكة,ورغم حصولنا على حكم قضائي مبرم بعدم التعرض لنا, جاءت البلدية بإيعاز من المحافظة وكسرت الباب وخلعت الاقفال وخربت الأرض,فلجأت إلى القضاء وحصلت على حكم يلزمها بدفع مبلغ 60 ألف ليرة سورية كتعويض.‏‏‏

وحتى يكتمل عسف المحافظة -كما يقول خالد محمح- أصدرت اجتهاداً عام 2004 بأنه على من يريد قبض بدلات الاستملاك يتوجب أن يحضر تعهداً من كاتب العدل بالتنازل عن منزله الذي يقطنه ولا يحق له مطالبة المحافظة بأي منزل للسكن,وحالياً توجه المحافظة إنذارات إخلاء لبعض الفلاحين دون تأمين سكن بديل رغم توجيه المحافظة أن يكون سكنهم البديل في منطقة برزة.‏‏‏

أما المستأجر لأحد العقارات المستملكة عبد الله الرفاعي فروى قصة طويلة مع المحافظة وعن ضغوطات مارستها على القضاء لإخلائه وكيف تم تدمير مقصفه ومشتله,بل حرم من مدخل منزله واضطر هو وأسرته إلى استخدام كوة صغيرة بعد أن وضعت المحافظة لافتة على المدخل كتب عليها ( المخبر البيطري) وطبعاً,لا وجود لمخبر ولا هم يحزنون,حتى الآن على الأقل.‏‏‏

العديد من أهالي المنطقة يواجهون مشكلة كونهم مستأجرين,فالمالكون قبضوا ثمن الأرض,في حين أنهم ينتظرون مصيرهم المجهول.‏‏‏

‏‏‏

عبد الفتاح الكردي قال: ماذا سنعمل إذا خرجنا من هنا,إن حدود عقلي هي حدود أرضي,ولا أستطيع أن أمارس عملاً آخر مثل الكثيرين هنا, لذلك لم أستطع قبض مستحقاتي,على العكس من أخوتي,فهم ليس لديهم منازل هنا, وعندهم أعمالهم الوظيفية,لذلك حصلوا على مستحقاتهم وبدلات الاستملاك وهم مطمئنون.‏‏‏

وفي النهاية,أجمع من التقيتهم أن ثمة وليمة تطبخ في الخفاء,وإلا لماذا هذه الرغبة الجامحة في إخلاء البارك وبكل الوسائل قبل البدء بتنفيذ المشروع وحتى قبل دراسته? ولماذا عادت المحافظة إلى اتباع سياسة الخطوة خطوة?! إنهم يعتقدون أن هناك حيتاناً كبيرة تحسبهم أسماكاً صغيرة. وأن في أروقة المحافظة,وربما أماكن أخرى,ثمة مشروع يتجاوز الحديقة العامة.‏‏‏

‏‏‏

أيهما أجدى كمتنفس وكمساحة خضراء: الحديقة أم منطقة الزراعة الداخلية? هذا السؤال وجهته الى السيد غسان نويلاتي مدير التنظيم والتخطيط العمراني فرد بعصبية ومن سيوقف زحف المخالفات? عاودت السؤال بصيغة أخرى: في حال وجود بلدية نموذجية -وهو أمر صعب طبعاً- أليست المساحة الخضراء أكبر في حالة بقائها منطقة زراعة داخلية?! وبالطبع لم يبد نويلاتي أي رأي لأن هذا الموضوع نوقش على مستويات عليا.‏‏‏

أما بشأن البرنامج التخطيطي الذي بني عليه‏‏‏

‏‏‏

الاستملاك فقال نويلاتي: إن المرسوم رقم /678/ هو نفسه البرنامج التخطيطي, والطريف في هذه الحالة أن البرنامج التخطيطي يجب تصديقه من وزير الاسكان, فهل من المعقول أن يصدق وزير مرسوم رئيس الجمهورية?!!‏‏‏

وحول عدالة بدلات الاستملاك والفرق الكبير بين البدلات القديمة والجديدة, أجاب بأن البدلات القديمة كانت بالأسعار الرائجة, أما البدلات الجديدة فهي وفق القانون رقم (3) وتقوم بالتخمين جهات أخرى هي وزارة الزراعة.‏‏‏

وبخصوص تعسف المحافظة في استخدام سلطتها بحق السكان, أكد نويلاتي أنه لا يعرف شيئاً حول هذا الموضوع, وأن هناك جهات أخرى معنية بالاجابة عن ذلك.‏‏‏

طبعاً, لم ينس نويلاتي في نهاية حديثه أن يذكرني ألا أنشر شيئاً عن لسانه, ربما خوفاً علي من دخول متاهة المحافظة التي قد أحتاج الى مسابقة دولية لإخراجي منها.‏‏‏

لقطات‏‏‏

رئيس بلدية برزة قال: إنه اقتحم مزرعة الحلواني بشكل نظامي لكنه لا يستطيع التحدث عن ذلك لأن لديه تعليمات من المحافظة ألا يدلي للإعلام بشيء دون الرجوع إليها,ولما سألناه عن الحكم الصادر بحق المحافظة وسببه مادام الاقتحام نظامياً أجاب بأنه لا يعرف!!‏‏‏

أحد مالكي العقارات المستملكة حديثاً لديه طاحونة قديمة قارن نفسه بمالك طاحونة آخر وكيف ألحقت له المحافظة عقاره بالمخطط التنظيمي وسمحت له بموجبه بترميم واستثمار المنطقة مشيراً إلى أن المسألة ليست حظوظاً وإنما تحتاج إلى قراءة ما بين السطور.‏‏‏

وأوضح أحدهم أنه إذا كان هدف المحافظة إقامة حديقة عامة فلماذا سبق لها أن طرحت بناء وزارة الثقافة في حديقة شرقي التجارة وفي مكان لا يبعد كثيراً عن البارك وبعد ذلك تراجعت عنه?‏‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية