|
شؤون سياسية ويؤشر إلى دور مصر الرسمية “الإخوانية” في التعاطي مع الأزمة السورية وتبعاتها، ومدلولات هذا القرار الرئاسي في ظل الأجواء السائدة دولياً، حول كيفية التعامل مع هذه الأزمة وتفاعلاتها. قرار مرسي قطع العلاقات تماماً مع سورية، بما فيها إغلاق السفارة السورية في القاهرة وسحب القائم بالأعمال المصري علاء عز الدين من دمشق، واستدعاء التدخل الأجنبي في سورية وفرض مناطق حظر جوي، لم يأت نتيجة اجتماع لما يسمى بـ “مؤسسة” الرئاسة، أو الحكومة المصرية، بل خلال مهرجان شعبي إخواني نظم تحت شعار “نصرة سورية” تجاوز في الكثير من نقاطه المواقف السلبية للدول الكبرى المناوئة لسورية والمنشغلة بالملف السوري وإذ ينظر إلى قرار مرسي بوصفه سابقة خطيرة بين دول عربية، وخاصة بين دولتين عاشتا مرحلة الوحدة لأعوام قليلة، ثم التنسيق لسنوات وعقود طويلة في إطار العمل على لم شمل الدول العربية وتوحيد مواقفها وتبعاته على العلاقات الثنائية والجماعية العربية، لما فيه مصلحة المواقف الجامعة والمشتركة، فإنه يمثل امتداداً رسمياً رئاسياً، على أهميته وخطورته، لمواقف مصر “الإخوانية” المتتابعة، في التعامل مع الأزمة في سورية، التي شرعت الجهاد في سورية، وسهلت ذهاب المصريين الإخوانيين والتكفيريين والجهاديين إلى سورية وممارسة واجبهم الديني، وتالياً عدم ملاحقتهم قانونياً حين عودتهم لوطنهم وفق ما أعلنه مستشار مرسي للشؤون الخارجية خالد القزاز. ويمثل هذا الموقف استكمالاً لتوجهات حركة الإخوان المسلمين في العالم العربي والإسلامي ومجموعات التطرف وفروع القاعدة عموماً، وبضمنهم المرشدين و “الشيوخ” قرضاوي وغيره، الذين دعوا إلى مشاركة الإخوان وغيرهم في قتال الشعب السوري . مرسي الذي تجاهل تماماً وجود عشرات الآلاف من المرتزقة التكفيريين والجهاديين من أكثر من 64 جنسية، وبضمنهم المصريون المتطرفون، كما أشارت إلى ذلك صحيفة “دي فيلت” مؤخراً والعديد من الصحف الغربية، تجاهل أيضاً، وعن عمد، الأجواء الدولية الراهنة، التي تؤيد، إقراراً أو إضطراراً، عقد المؤتمر الدولي حول الازمة في سورية وتفاعلاتها الإقليمية والدولية كذلك الردود تجاهها من قبل الأدوات المحلية، وبخاصة محور (قطر، السعودية، تركيا) وأتباعه في المنطقة أيضاً. ويقوي في الوقت نفسه المواقف السلبية والمتطرفة للعديد من الدول التي تسعى إلى عرقلة الحل والحوار السياسي وإلى إدامة الأزمة السورية. قرار مرسي الذي شرعن وقونن التوجهات العملية لحركة الإخوان المسلمين، ودعمهاللمجموعات الإرهابية المسلحة، وصولاً إلى انخراطها المباشر في عملياتهم ضد سورية، يأتي في ظل تحركات للأدوات المحلية والإقليمية بدءاً من التسريبات حول دعم السعودية للتكفيريين والجهاديين بأسلحة متطورة، وبضمنها المضادات للطائرات، إلى إعلان الأردن إبقاء بطاريات باتريوت الأمريكية وطائرات “إف 16” في الأردن بعد انتهاء المناورات الأمريكية – الأردنية “الدولية” مؤخراً، والمواقف السلبية للعديد من الدول الإقليمية و “العربية” الأخرى المنشغلة بالأزمة في سورية. ويتزامن مع القرار الأمريكي الأخير حول تسليح الإرهابيين، بعد أن ترك الاتحاد الأوروبي، في اجتماعه الأخير نهاية شهر أيار الماضي، حرية تسليح الإرهابيين “ ورفع الحظر عنها لدوله منفردة، كما جاء قبيل القمة الروسية – الأمريكية والاجتماعات الدولية العديدة المقرر عقدها وفي صدارة جدول أعمالها الموقف من الأزمة في سورية، ومن المؤتمر الدولي “ وضرورات الحوار والحل السياسي لهذه الأزمة. وإذ تؤكد هذه التحركات والنشاطات الدولية أن الحل للأزمة، لا بد أن يمر عبر مؤتمر جنيف -2، فإن الأدوات والوكلاء المتضررين من بدء الحوار حول كيفية حل الأزمة السورية، وتالياً الخشية من تصدرها غيرها من التحركات الأخرى، دفعت الإخواني مرسي، وما يمثله إلى توتير العلاقة مع دمشق وتبعاتها، ومحاولة شد أزر المجموعات والعصابات الإرهابية المسلحة، وإظهار “تفاوت” ما، مع هذه الأجواء الإيجابية الدولية السائدة. كذلك في ظل الإنجازت الهامة التي تحققها سورية ضد هذه العصابات والمجموعات المسلحة، التي تلخصت مؤخراً في معركة القصير، وغيرها من المناطق السورية، وصولاً إلى تغيير هام في موازين القوى، في العديد من المناطق الاستراتيجية السورية وتالياً تبعاتها على أطراف الأزمة وعلى الحوار والحل السياسي المفترض. وفي هذا السياق يأتي قرار مرسي ليكشف حقيقة موقف مصر الرسمية “الإخوانية” الذي عارضته الأحزاب الوطنية المصرية، وميز أيضاً الجيش المصري نفسه عن هذا القرار “المخزي”، وطالبت هذه القوى، كما غيرها مصرياً وعربياً، أن ينتشي مرسي بإعلانه قراراً حول إغلاق السفارة الإسرائيلية في مصر، ووقف العمل باتفاقية “كامب ديفيد” وملاحقها، وبضمنها انتقاص سيادة مصر على سيناء واتفاقيات الغاز المذلة، وغيرها من التفاهمات بحق مصر العروبة. ويكشف هذا القرار أيضاً زيف دعاوى الإخوانيين والجهاديين حول أولويات الصراع في المنطقة المتلخصة في الموقف من إسرائيل وسياساتها، وفي طبيعة علاقاتهم الحقيقية المتناقضة مع برامجهم السياسية الرسمية المعلنة، ومع رؤى وتطلعات ورغبات الشعوب العربية على الأقل. لقد تجاوز مرسي في قراره مواقف أعتى أعداد سورية، وأكد للجميع حقيقة توجهاته وموقفه العملي، ومخططات من يمثلهم من تكفيريين وجهاديين ومتآمرين يسعون إلى إدامة الأزمة في سورية، على حساب دورها الوطني والإقليمي والقومي. ويؤكد أيضاً إنفراده وتمايزه السلبي عن مواقف الشعب المصري وقواه الحية، وانحيازه لقوى التطرف الإسلاموي التكفيري الظلامي الذي يعاني أزماته في بلدان “ثورات الربيع العربي” وفي المقدمة منها مصر، التي تشهد تفاعلات شعبية واسعة ضد الأخونة وتوجهاتها، كذلك في الدول التي دعمت هذه “الثورات” من قطر إلى تركيا وما بينهما أيضاً. ويفضح في جانب آخر من قراره وسياسته “العشائرية” توجهات العصابات المسلحة الإرهابية السورية، ويظهر بجلاء طبيعة تحالفاتها واصطفافاتها أمام الشعب السوري أولاً. قرار مرسي تضمن رسائل للداخل المصري “التيارات الإسلاموية” وتحالفاتها، وإلى الأدوات “الإقليمية” المأزومة وإلى أمريكا وحلفائها حول الدور المصري “وتأثيرها” في المنطقة الذي غاب تماماً منذ أحداث 25 كانون عام 2011، بأنه قادر على المشاغبات في ظل الأجواء الدولية السائدة التي تجاوزت دور مصر والعديد من الأدوات الصغيرة والذيلية، وأن محاولاته العودة إلى صدارة الأحداث عبر هذا القرار، يضيف انتكاسة جديدة لمصر الإخوانية، ويقوي من مواقف قوى مصر الحية ولن يؤثر، على مراراته وسلبيته “في الحالة الوطنية السورية”. باحث في الشؤون الدولية |
|