|
معاً على الطريق يأتيك أحدهم ليجادلك في مهنية الاقتباس والاجتهاد والتأويل في استخراج الديمقراطية من الشورى أو العكس, وفي إمكانية نجاح تأويل خط لإنتاج الكتب إلى وعاء لتصنيع «القمردين «الدمشقي القديم.. دون أن تطأه أقدام الفلاحين الحفاة أو شمس رابعة النهار! هل يدلني أحد على مراحل تطور الفكر السياسي القائم على التعددية والمدنية في التراث السياسي العربي.. هل يخبرني أحد عن توالي التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية في المجتمعات العربية كما رسمها كارل ماركس مثلاً, وعن بلورة مفاهيم الحريات الفردية والجمعية في تعاقب تلك التشكيلات, وصولاً إلى الآراء ووجهات النظر ومن بعدها الدساتير الخالية من ربط الدين بالدولة بوثاق من فولاذ, إلى الأحزاب وصناديق الانتخابات ؟؟ في ثورات المجتمعات الأوروبية..» والثورة ليست بالضرورة احتشاداً في الشوارع والساحات, ولا هي طقوس وحسب من القتل والتدمير والتخريب «كان ثمة وعي ما لمفاهيم الحرية والتعددية وقبول الآخر, يتبلور بجد وهدوء منذ ثورات اكتشاف الدولاب والمصباح الكهربائي مروراً بديكتاتورية البروليتاريا وصولاً إلى الطريق الثالث.. وكان ثمة طلائع متتالية من المفكرين والمثقفين تدس بذورها في التربة الاجتماعية, وترعى وتسقي وصولاً إلى مواسم القطاف والحصاد .. ولكل بذرة موسم ومنجل, طلائع لا تهتم بالثورة كبرنامج سياسي إلا باعتبارها طريقاً إلى المدنية أولاً لا إلى السلطة.. فالثورات لا تأتي بالادعاء أو الاستدعاء.. ولا بالتمويل والتهريب والتسليح! لنتوقف عن الذهاب بعيداً في نفاق حرق المراحل ورياء الانتقالات الوهمية من البداوة إلى المدنية برفة العين, كما باعة كتب الرصيف الجوالون يدعوننا إلى تعلم اللغات الحية في خمسة أيام.. أو إلى تعلم الديمقراطية والتعددية بالحفظ والاستظهار, ولنتوقف عن الظن بولاء السماء لنا وعن الوهم بظن امتلاك الحقيقة بالفطرة أو بالموعظة الحسنة, لنتوقف عن ادعاء إتيان الإعجاز ونحن عجزة مقعدون.. فلكل تربة بذورها ومناجلها ومواسم حصادها!! مشكلة مثقفينا ليست في ضآلة أو تراكم معارفهم عن نماذج الغرب في الانتقالات المنطقية المنتظمة المتسلسلة إلى المدنيات والحضارات, ولا هي في نقص وتردي ثقافة قياس وتأويل وتجيير هذه النماذج.. ومن ثم استنساخها أو اقتنائها ونقلها إلى تربتنا عقلاً.. أو جراً كما خطوط انتاج الكونسروة, بل هي في ضآلة معارفهم هم عن أنفسهم وشعوبهم وثقافاتها, وفي جهلهم بوطأة حضور تراث هذه الشعوب والثقافات على ما يستنسبون نقله أو استنساخه, حين يتوهمون وجود تربة مناسبة لكل ما هب ودب من بذور وشتلات, ثم يرشحونها لاستنبات بذور الآخرين.. ولو بالحديد والنار؟ مشكلتهم, التوهم بأن استنساخ الديمقراطية والتعددية والمدنية هي تماماً كشراء خطوط إنتاج الكونسروة أو حتى الحواسيب.. لا تستلزم إلا مالاً وكفى الله الجهلة شر التعلم.. هم النار لمن استجار من رمضاء الثقافة الطليعية ومثقفيها! |
|