تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


تأملات في أحداث مضت

نوفوستي
ترجمة
الاثنين 29/9/2008
ترجمة: د. إبراهيم زعير

بعد كارثة اصطدام الطائرتين ببرجي التجارة العالمي في نيويورك في 11أيلول 2003ساد اعتقاد لدى روسيا بأن هذا الحدث المأساوي سيوحد الولايات المتحدة وروسيا أكبر قوتين نوويتين عالمياً في مواجهة التهديدات الإرهابية العالمية,

واعتقدت روسيا أنه منذ تلك اللحظة سيتم وضع أسس لبنية نظام عالمي جديد وحقبة جديدة من التعاون الدولي قد بدأت وأن الدول الكبرى ستقف جنباً إلى جنب في بناء نظام آمن وعادل . ولم تكن هذه توقعات فوكوياما (نهاية التاريخ) بل وجهها الآخر الأكثر دهشة.‏

لاحقاً اتضح أنه أن نتصادق (ضد) أسهل بكثير من أن نتصادق ( من أجل) واتضح أن ما يجمعنا أقل بكثير مما يفرقنا واليوم لا يدور الحديث حول الوقوف (جنباً إلى جنب) وأن نعمل معاً إذ إن اليوم هو يوم الاتهامات المتبادلة وعدم الثقة والحساسية, وباختصار فإن كل التوقعات والأحلام كانت خاطئة, وما جرى في الحادي عشر من أيلول يبعث للتفكير والتأمل , فالسبع سنوات التي تفصلنا عن ذلك اليوم لم يصبح فيها العالم أكثر أمناً أو أكثر استقراراً وسلاماً ? فالتحالف ضد الإرهاب أصيب بالتشققات في البداية على خلفية الحرب على العراق ومن ثم احتلاله , وثم حول الوضع في إيران وتهديدات الغرب غير المنطقية وكذلك الاعتراف باستقلال كوسوفو رغم معارضة روسيا لهذا الاعتراف وظهرت خطوط فصل جديدة وفي أوروبا بالقرب من روسيا يجري تنفيذ نشر منظومة الدرع الصاروخية, والناتو يدعو إلى صفوفه ضم جيران روسيا, (أوكرانيا وجورجيا)خلال هذه السنوات لم تتمكن روسيا من صياغة لغة مشتركة مع الولايات المتحدة, ولم يتم الاتفاق على استراتيجية تطور مشتركة, باختصار لم تتوصل الأطراف إلى تفاهم متبادل , روسيا مشتبه بها بأنها تبيت مخططات خبيثة, وتقوية الحملة الدعائية ضدها تعيد رسمها من جديد بصفة الامبراطورية المعادية لكل العالم الغربي وقيمه , وتبين أن روسيا دولة غير مرغوب بها بمقاييس التفكير الغربي والأميركي, واليوم بعد العدوان الجورجي على أوسيتيا الجنوبية, يبدو أن روسيا تدخل في مرحلة طويلة من التنابذ مع الغرب فقرار روسيا الاعتراف باستقلال أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا لم يلق الرضى من قبل الكثيرين ولم تحصل روسيا على دعم واسع في هذا الموقف للأسف المجتمع الدولي لايبني قراراته بالنظر إلى مصالح روسيا رغم الحق الواضح في الموقف, الروسي من هذه الأزمة, ومن السذاجة أن تنظر روسيا اليوم إلى إمكانية دعمها من قبل الكثيرين في الغرب على العكس.‏

لقد ألصقوا بروسيا لوحة امبراطورية عدوانية وأنها تتصرف ضد وجهة نظر كل المجتمع الدولي, فليكن, لكن حياتنا لم تصبح أسوأ نتيجة ذلك بأي حال فإن مستوى المعيشة لن ينخفض بمستويات ملحوظة والعمل النشيط لتوضيح الأمور والحقائق لا بد أن يعيد الأمور إلى نصابها. حتى دون أوسيتيا الجنوبية, لم يسعوا لفهم روسيا وكيف يمكن دون السعي لفهم الآخر الحديث عن التعاون المثمر معه? يبدو أن السياسة الخارجية في (أضعف الحلقات) لدى الغرب ولو كانت غير ذلك لأظهروا ليونة وتفكيراً أكثر في التعامل مع روسيا, ومن السذاجة عدم الاعتراف أنه يحق لروسيا أن تمتلك مواقفها الخاصة وأن ترتكز في بناء سياستها الخارجية على رؤيتها لمصالحها القومية, من الواضح أن أحداً لم يلغ مفهوم (المصالح القومية) رغم التباين في النظر إلى جوهر هذه المصالح.‏

إن محاولات تبني نظام ضد الدول الصغرى لن يأتي بنتائج مع روسيا, فمصالح روسيا القومية ليست موجهة ضد أحد ولاسيما الدول الصغرى المسالمة المدافعة عن مصالحها الوطنية, وقدر روسيا أنها تشكلت خلال التاريخ دولة كبرى ممتدة على قارتين, التنوع والثراء فيها لا يقتصران على الثقافة والتقاليد القومية والأديان واللغات بل وعلى قياساتها, فأوروبا تحت خاصرتها وآسيا تحت الخاصرة الأخرى والمحيط الهادي والقطب الشمالي , وللدول الكبرى مصالح استراتيجية ليست ضمن المعايير العامة, يجب الاعتراف بهذه الحقيقة وأخذها بالحسبان, أخيراً إن دور روسيا وما تقدمه في استقرار وأمن النظام العالمي لم يقيم كما يجب وكان من الممكن أن يكون سقوط الاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي أكثر ألماً وكارثية ودموية مما جرى في الواقع في غضون ذلك دفعت روسيا وحدها ثمن هذا السقوط, إننا نذكر جيداً ولانستطيع فهمه بينما الآخرون يتناسون.‏

لقد سقط برج التجارة العالمي واحتلت العراق وانفصلت كوسوفو وتعرضت أوسيتيا الجنوبية للعدوان, وتجري الأحاديث عن عقوبات جديدة ضد إيران, إنها طريق مسدودة ولكن حينها عام 2003 بدت الأمور كلها بصورة مختلفة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية