تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الثقافة المجتمعية الريفية... هل ندوّنها قبل أن يرحــل حاملوهــا؟

مجتمع
الثلاثاء 30-3-2010م
غانم محمد

لم يكن لديهم أي وسيلة لمعرفة أخبار الطقس ولا حتى الأخبار العامة، ولم يكن بينهم الجيولوجيون ولا الخبراء ولا الفلكيون فما كان أمامهم أي خيار سوى تطوير ملاحظتهم وتغذيتها بالتجربة والمتابعة

فاستطاعوا على مدى أجيال متعاقبة أن يوجدوا ثقافة خاصة جداً ويضعوا ما يشبه القوانين التي تحكم الكثير من الظواهر الطبيعية أو على الأقل تفسر تكرار هذه الظواهر مع ذات الشروط والمواصفات الأمر الذي جعل تصديقها سهلاً بعض الشيء.‏

عندما تكون حمرة غياب الشمس زائدة عن المألوف يقولون:الله يجيرنا، وعندما تسألهم يقولون لك: قد نصحو على مصيبة هكذا علمتنا التجارب.‏

عندما تحيط بالقمر هالة مما يشبه الضباب يقولون: جهزوا مناديل الدمع فإن الحزن قد يضرب أطنابه، وعندما حدثتهم عن ظاهرة خروج الأفاعي هذا الشتاء من أوكارها تحدثوا عن اضطرابات في جوف الأرض، وعندما شاهدوا موسم الزعرور جيداً توقعوا أن يأتي هذا الشتاء بارداً وماطراً فكان ذلك أما( الآبيات) فحكايتها حكاية..‏

جلست مع أكثر من رجل ممن تجاوزوا الثمانين من العمرمتنقلاً بذاكرتهم حول هذه المسائل فجاءت التفسيرات قطعية منهم لأنهم حفظوا هذه الأمور ممن سبقهم في هذه الدنيا ولم تخلف التفسيرات معهم يوما كما يقولون.‏

فالزيادة في احمرار الغروب غالباً ما يدل حسب قناعتهم على وقوع ما لايحمد عقباه على الصعيد العام كأن تقع حروب ومشاكل في أماكن متفرقة من العالم. ولهذا يقولون عندما يحرضون شخصاً على عمل مجابه يستلزم العنف والقسوة ( شوفوا العين الحمرة) والشمس عندما تري الناس عينها الحمراء فإنها تنذرهم بعمل قاس. أما عندما يلف القمر ما يشبه الغبار أو الضباب الخفيف فهذا يعني أن المصيبة أهون من تلك التي تنذر بها الشمس ويكون الحزن على نطاق ضيق كوفاة شخص عزيز أوخسائر محدودة في مكان ما، أما لماذا تخرج الأفاعي من سباتها الشتوي وتظهر بين الأعشاب المبتلة فسبب ذلك حسب علمهم ومعرفتهم هو أن حرارة جوف الأرض تكون قد ارتفعت كثيراً ولم تعد هذه الأفاعي تقدر على احتمالها فتخرج إلى السطح في سلوك غريب لها في مثل هذه الظروف ،أما الزعرور أو الدوام( ثمر السنديان والبلوط) فوفرة هذه الثمار في الصيف تدل على غزارة أمطار الشتاء التالي وشدة برودته وقد راقبت هذه الظاهرة هذا العام ووجدت أنها صحيحة فعلاً..‏

يتحدثون أيضاً عن مواعيد شبه ثابتة ومتكررة لهطول المطر خارج موسم المطر الرسمي أو ضمنه لكن ومهما بدت الأمور وكأنها بعيدة عن احتمال المطر فثمة مواعيد لا يقبلون الجدال فيها حول هطول المطر فهناك( ريات ثابتة كما يقولون) مثل (رية الرابع ورية السابع عشر ورية الصليب..الخ) وهناك قانون متوارث للتعرف على الشتاء القادم من خلال ما يعرف بـ( الآبيات) والتي سأعرض لها بالتفصيل كونها تشكل موروثاً اجتماعياً يمكن إضافته للتنبؤات الجوية التي نتعامل معها بثقة متزايدة...‏

الريات المشهورة‏

كما تقدم فهناك مواقيت يؤمن بها الانسان المتقدم بالسن بعض الشيء ومنها ما يعرف بـ( الريات) وسميت ريات لأنها مناسبة للمطر وإرواء الأرض العطشى خارج الأوقات المعتادة والأشهر بينها رية السابع عشر من آذار( شرقي) أي في الثلاثين من آذار حسب التقويم الغربي، ورية الرابع من نيسان ( شرقي أيضاً) أي في السابع عشر من نيسان ورية الصليب في الثالث عشر من أيلول وغالباً ما يهطل المطر في هذه المواعيد.‏

الآبيات‏

أما الآبيات فهي الأيام السبعة الأولى من آب وكل يوم من هذه الأيام يشير إلى حالة الطقس في شهر قادم من السنة فاليوم الأول من آب يدل على شهر تشرين الاول والثاني يدل على شهر تشرين الثاني والثالث على شهر كانون الاول. والرابع على شهر كانون الثاني والخامس على شهر شباط و السادس على شهر آذار والسابع على شهر نيسان فإن ظهر الغيم الأسود في يوم من هذه الأيام فهذا يعني أن الشهر الذي يقابله هو شهرماطر وعندما يظهر الغيم الأبيض في يوم منها فهذا يعني أن الشهر الذي يقابله سيكون ماطراً جزئياً وإن كانت السماء صافية في يوم منها فهذا يعني أن الشهر المقابل سيكون دون أمطار وهكذا...‏

بالطبع ليس هذا كل شيء وإنما هناك الكثير من المعارف الموروثة سواء في هذه الأمور الفلكية أو حتى في الأمور الطبية وفي معرفة خصائص كل نبات وقيمته الدوائية والغذائية وغير ذلك وما نتمناه هو أن تكون هناك ذاكرة قادرة على احتضان كل هذه الأمور لا تكريماً لمن يحملها وهو في المحطات الاخيرة من عمره بل للاستفادة ما أمكن منها وتطويرها والبحث بها ومراقبتها فقد تكون أكثر فائدة من بدائلها.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية