|
ثقافة هل بقي شيء للكتابة؟ الآن أجمل الوجوه قد تهاوت، وأجمل الأشواق هدأت؟ ماذا يعني أن نكتب وأنت تفتح عينيك على فنجان القهوة الذي فقد سحر الشهرة، وعلى تلفاز لايعرف سوى الإعلان عن قائمة القادمين الجدد على ظهر الكورسات الجنائزية يلوحون بالديمقراطية قبل أن يضعوا أول سلة للمهملات والقمامة. وماذا يعني أن تعلن انتماءك لجيل السبعينيات، جيل عرف المألوف، وتحمل قساوة الاستجابات السلطوية المرفوضة، جيل البحث عن ترتيب جديد للأشياء وربما الخلق. ماذا تعني الكتابة في عصر الانحطاط الثاني؟ أهي الملاينة والبحث عن ألفة تخسرك نفسك والأشياء؟ أم هي المحاولة اليائسة للتوفيق بين ما لايوفقك؟ من قال إن ترتيب الدينا صحيح؟ جيل البحث عن مشروعية أخرى للكتابة؟ كتابة صدرها مفتوح للجرح والورد. كتابة توقظ الطفل المنهك المسن الذي لم يفقد ألقه وشوقه الأبدي، هو ذا العمر لعبة فضائحية بالدقائق والساعات والأيام والسنوات. بعد احتلال وغزو العراق العربي كتبنا نحن المثقفين العرب أشياء أبكت الضمير العربي،وكتبنا أشياء أضحكت الضمير العربي، لم يصدق عما نكتب بنا حتى أطفال العراق وفلسطين، وأطفال وشيوخ العرب من المحيط وحتى الخليج العربي. أحرف وكلمات،اكتشاف ومغامرة، عالم من الوهم والورق، انعكاسات خوف مرايا الحلم، حوارات مع كائنات حية مجهولة أو طرق على بوابة الليل والمستحيل أن نكتب مالم يكتبه أحد في زمن الصمت العربي. فهل بقي شيء للكتابة؟ في هذا الزمن العربي الرديء إنه زمن أزمة القول والشحاحة الكلامية، وتحت تأثير الخطاب الرسمي المملوء بالفائض البلاغي بشكل يكون معه الاختلاف اختلافاً في الدرجة، فهو ينطلق من الوهم ليعم مجموعة من الحقائق الاجتماعية على الكتاب والمثقفين العرب، رغم المخاطر التي تستهدف هوية الأمة القومية أبرزها الهجوم الإمبريالي الأميركي من الخارج ومحاولة لتفتيت من الداخل. هل بقي شيء للكتابة؟ 62 عاماً على احتلال الصهاينة لفلسطين الحبيبة و6 أعوام على احتلال العراق أرضاً وشعباً وأبناء عمنا الكتاب والأدباء والصحفيون العرب قد قلم الصمت العربي أظفارهم، وأسكت أقلامهم يوم كانوا صوت الشعب العربي الهادر، ورصاصته القاتلة والمحرقة لجسد الإمبريالية الأميركية ودميتها اسرائيل المجرمة. هل يغفر الله لمبدع عربي سواء كان يعيش فوق أرضه العربية أم كان مقتلعاً من تربته، تطوح به الرياح في كل المنافي، هل يغفر له أن يغمض عينيه، ويسد أذنيه ويعطل كل مراكز الحس فيه، فلا يرى ولايسمع بالمواجهة المصيرية القائمة بين أمته العربية على اتساع مداها الجغرافي وبين الولايات المتحدة الأميركية والصهيونية. هل يجوز لكاتب وقاص ومؤرخ وصحفي ومثقف عربي أن ينطوي على نفسه، ويجتر ما ينفثه كتاب ومثقفو أوروبا وأميركا ضد العروبة والقومية العربية. وهل يجوز لمثقف عربي أن يملأ أذنيه بالطين والصلصال، فلا يسمع من بعد ذلك الفحيح الاستعماري الأميركي يسد آفاق الوطن العربي من مشرقه إلى مغربه في محاولة لإجهاض كل توق عربي للتحرر والانعتاق والخروج بالأمة العربية من ليل التجزئة والتبعية والاستلاب وتحقيق مشروعها الحضاري؟ لاشك أن التشرنق والتحصين ضد ارتكاسات وانعكاسات هذا الواقع خيانة للذات وخيانة للرسالة والالتزام البديهي. فهل بقي شيء للكتابة؟ الله أعلم *أكاديمي وكاتب عراقي |
|