تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ثربانتس يحتفي بالفيلسوفة ماريا ثامبرانو

ثقافة
الثلاثاء 30-3-2010م
رانيا الحسن

شارك مؤخراً معهد ثربانتس نساء العالم في احتفالية يوم المرأة العالمي ببعده الفكري وذلك بتقديم محاضرة عن الفيلسوفة الإسبانية ماريا ثامبرانو، التي تعتبر إحدى القامات النسائية المعروفة في العالم وقدم المحاضرة الأستاذ محمد البخاري بن سيد المختار بعنوان «ماريا ثامبرانو:

فيلسوفة التواصل الروحي الكوني والأمل الإنساني» والجدير بالذكر أن ماريا ثامبرانو كانت أستاذة جامعة وأديبة وفيلسوفة وناقدة ومناضلة اجتماعية، عاشت في المنفى بعد الحرب الأهلية الإسبانية واستمر منفاها 45 عاماً متنقلة بين عدة بلدان منها المكسيك وكوبا وإيطاليا وفرنسا وسويسرا وعادت أخيراً إلى إسبانيا قبل وفاتها في 1991 عن عمر يناهز السادسة والثمانين عاماً.‏

وقد تحدث السيد بخاري عن حياتها وكتاباتها:‏

ماريا ثامبرانو عاشت أزمات عصرها فلم تكن بمعزل عن الوضع السائد أيامها وإن كان نتاجها الفكري في معظمه فلسفياً فإن كتابها «الفلسفة والشعر» ترخي الحرب الأهلية الإسبانية بظلالها عليه وإن لم تكن هذه الحرب موضوعاً له.‏

ففي استهلالها تقول: ولد هذا الكتاب أكثر مما شيد في لحظة غاية الاستحالة وهذا ليس مستغرباً لأننا نمر من المستحيل إلى الحقيقي وتتابع: من يكتب لكم هذا قد سافر إلى المكسيك وحضر هذه الطبعة بصورة غريبة لنشرها في دار نشر مكسيكية وتسرد ثامبرانو رحلتها الأولى لأميركا اللاتينية بصبحة زوجها حيث ألفت العديد من المحاضرات وتستدرك متسائلة: ما علاقة كل هذا بكتاب «الفلسفة والشعر؟» وتجيب: الأمر يتعلق بأصله وميلاده فبعد عدة أشهر عدنا إلى إسبانيا للدفاع عن الجمهورية وللدفاع عن قضية نحن على قناعة بها لقد سئلنا: لماذا عدتم إلى إسبانيا مادمتم تعرفون تماماً أن قضيتكم خاسرة؟ فكان جوابنا لهذا السبب تحديداً عدنا وبهذا أقترب من هذا الكتاب الفلسفة والشعر الذي كتبته بعد الهزيمة عندما سافرنا إلى المكسيك وكل هذه الحكاية على صلة وثيقة مع كتابي».‏

تتساءل ثامبرانو لماذا نكتب طالما الكلمة موجودة؟ يبدو لها أن الفوري هو ما يتدفق من عفويتنا إنه يشكل جزءاً من هذه الأشياء التي لا نتحمل بشكل كامل مسؤوليتها لأنها لا تنبع من كليتنا نحن بذاتنا إنها ردة فعل دائماً سريعة ومستعجلة نتحدث لأن هناك شيئاً يستعجلنا وهذا الاستعجال يأتي من الخارج إنه شرك حيث تزعم الظروف أنها تدفعنا وأن الكلمة تحررنا، فبالكلمة لا تقطفنا أكثر ما تخلقنا بالعكس فإن استعمالاً مفرطاً للكلمة يولد تفككاً فبفضل الكلمة نسجل نصراً على اللحظة لكن لا نلبث أن نكون بدورنا مهزومين بها بتتالي من يتجاوزون هجومنا بدفاعهم دون أن يتركوا لنا إمكانية الدفاع إنه انتصار مستمر يتحول أخيراً إلى هزيمة.‏

فمن هذه الهزيمة الحميمة الإنسانية تولد ضرورة الكتابة، نكتب للانتصار على هزيمة مستمرة بفعل الحديث المطول.‏

إن الانتصار لا يمكن أن يحرز إلا على صعيد الهزيمة وفي الكلمات ذاتها هذه الكلمات ذاتها سيكون لها في الكتابة وظيفة مختلفة ولن تكون في خدمة اللحظة الطاغية، لن تخدمنا لتبريرنا أمام هجمة اللحظة وإنما انطلاقاً من مركز وجودنا ستدافع عنا أمام كلية اللحظات أمام كلية الظروف أمام الحياة بأكملها.‏

في الكتابة يوجد فعل الإمساك بالكلمات كما يوجد في الحديث اطلاقها، الانفصال عنها الذي يمكن أن يكون فعل تركها تتجرد منا في لحظة الكتابة تكون الكلمات متحفظة مناسبة، خاضعة للإيقاع موسومة بموسم هيمنة الإنسان الذي يستعملها على هذا النحو وهذا بمعزل عن انشغال من يكتب بالكلمات واختيارها ووضعها عن وعي في نظام عقلاني معين خارج هذه الاهتمامات يكفي أن يكون من يكتب يكتب بسبب هذه الضرورة الحميمة للتخلص من الكلمات والانتصار الكامل على الهزيمة التي لحقت به لكي يحصل هذا الاحتفاظ بالكلمات، هذه الإرادة للاحتفاظ نلقاها منذ البدء تجد جذرها نفسه في فعل الكتابة وترافقه بشكل ثابت إذاً الكلمات تدخل محددة في صيرورة مصالحة الإنسان الذي يطلقها محتفظاً لها مع من ينطقها بكرم مليء بالفطنة.‏

كل انتصار إنساني يجب أن يكون تصالحاً ولقاءات مع صداقة مفقودة وهو إعادة تأكيد للذات بعد فاجعة كان الإنسان ضحيتها انتصاراً لا مجال فيه لإذلال الخصم وعندئذ لا يصبح نصراً بل تعبير عن مجد للإنسان.‏

في سنة 1953 انفصلت ماريا ثامبرانو عن زوجها فاتجهت إلى أوروبا حيث أرادت أن تتقاسم الحياة مع أختها أراثلي التي كانت تعاني من اضطرابات نفسية خطيرة ناجمة عن أهوال الحرب فاستقرتا أولاً في روما قبل طردهما منها عام 1964 وبناء على شكوى تقدم بها ضدهما جارهما الفاشي-القديم متذرعاً بإزعاجات القطط التي وجدت مأوى لها عند الأختين فانتقلتا إلى فرنسا حيث توفيت أراثلي سنة 1972 فأقامت ماريا أخيراً في جنيف حتى عودتها إلى مدريد سنة 1984 وتوفيت فيها سنة 1991.‏

وبعد عودتها بخمس سنوات رأى كتابها «الهذيان والمصير» النور وهو عبارة عن سيرة ذاتية كتبت في بداية الخمسينيات في هافانا بصيغة ضمير الغائب تسرد من خلالها ماريا ثامبرانو بقوة خطابية محيرة تجوال إمرأة شابة ملتزمة بموطنها (إسبانيا) المنهك من قبل الدكتاتورية والاستبداد ومنذ الأسطر الأولى وعبر الـ 316 صفحة التي تشكل هذا النص يسجل الفكر الفلسفي حضوره الراسخ في كل كلمة وفي سياق كل جملة إنه سيل يتتابع من الكلمات، وتوليد كل كلمة وثيق الصلة باستحضار سابقتها فيترسخ لدينا شيئاً فشيئاً-الانطباع بأن الكتاب قد كتب دفعة واحدة من بدون انقطاع وبنهم وتعطش لقول الأشياء بفرادتها الخاصة.‏

طرحت المؤلفة العديد من التساؤلات حول الموت، الحياة، الوجود، الله، الواجب، الالتزام، وغير ذلك من المسائل.‏

وعرضت تعريفاتها الخاصة والتي تكتسي دائماً طابعاً فلسفياً.‏

فتقول: يمكننا أن نموت بصيغ مختلفة بالعديد من الأمراض بموت أحد الأقرباء أو بموت حبيب أو عزيز وكذلك بالعزلة الناجمة عن عدم التفاهم التام.‏

وتوضح ماريا أنها لا تريد قلب القيم القديمة وإقامة قيم جديدة عادلة لمجرد الرغبة في التغيير وإنما تريد ببساطة الضغط على المسرح السياسي والاجتماعي بحيث لا تكون مجرد بيادق ينقلها الآخرون حسب رغباتهم.‏

وإنما نسعى إلى ثورة ثقافية إلى تبدل في العقليات تكون باستطاعتها زعزعة العقول الجامدة التي تكون حبيسة الفكرة الأحادية.‏

فإن الفكر الذي يكشف الواقع يخلق فضاء حيوياً قابلاً للتنفس ومن الوظائف الحيوية للفكر أن يجعل الجو قابلاً للتنفس وأن يحرر الكائن الإنساني من الاختناق الناتج عن انعدام الفضاء الداخلي.‏

وفي سنة 1988 نالت ماريا ثامبرانو جائزة ثربانتس ولم تكن تقوى على الحضور لإلقاء كلمتها فألقيت نيابة عنها ما جعل الملك خوان كارلوس وزوجته يذهبان بعد نهاية الحفل إلى منزلها لتكريمها.‏

جاء في كلمتها للخروج من متاهة الحيرة والدهشة لكي أجعل نفسي مرئية وقابلة للتعرف اسمحوا لي أكثر من مرة أن ألجأ إلى الكلمة الرائعة الضياء «شكراً» شكراً أيضاً لأنكم منحتموني الفرصة لمشاركتم ذكرى ظلت على الدوام واضحة ومخلصة أو على الأقل حميمة حقاً إنها ذكرى الأماكن التي يشق علي كثيراً نسيانها وذكرى الكلمات التي لا يمكنني أن أتنكر لها.‏

وحباً لهذه الذكريات وتشريفاً بمرافقتكم الكريمة أدعوكم للتفضل بأن تتبعوني إلى هذه المدينة المكسيكية الجميلة «موريليا» التي لم أختر الدرب إليها بل هو قادني إليها كما هو حال العديد من الإسبان الذين حضروا للمنفى.‏

لقد وجدت نفسي هناك في اللحظة التي كانت مدريد-مدريدي تسقط تحت صرخات النصر المتوحشة.‏

ومنذ ذلك الحين نجوت من العنف بوجودي للجوء في مكان مشرف للغتنا.‏

حيث درس الفلسفة في جامعة القديس نيقولادي إيدالغو فكنت محاطة بطلبة صبورين ترى عن ماذا كان يمكنني أن أحدث طلبتي في موريليا؟دون شك كان الحديث عن بزوغ فكرة الحرية في اليونان.‏

وتنهي ماريا كلمتها بالقول: لنأمل أنه في هذه الساعة نفسها التي يمكن أن تكون ساعة فجر أن يستمر أحد ما هنا أو هناك لا يهم أين يكون أن يستمر في الرهان والتأكيد على ميلاد فكرة الحرية.‏

وأثناء هذا الزمن ومرة أخرى تنطق الكلمة الرائعة شكراً فإنني سأحاول الاستمرار في البحث عن الكلمة الضائعة الكلمة الفريدة سر الحب الإلهي الإنساني، هذه الكلمة التي لعل كلمات أخرى لها امتياز خاص وبالكاد تسمع وأشبه بهمس يمامة لعل هذه الكلمات تشير إليها:‏

تقولون إنني ضعت‏

وكعاشقة رحلت لأضيع‏

وقد فزتم بي..‏

بهذه الكلمات ختم محمد بخاري محاضرته المشوقة عن ثامبرانو.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية