|
اقتصاديات حول هذه الشراكة. ورغم أن هذه المسألة تشكل أحد أهم الموضوعات السجالية في التوجه الاقتصادي السياسي في أية دولة وفي سورية ايضاً، فلم نر في أية وثيقة رسمية تحديد المبادئ والأسس العامة لهذه السياسة العريضة التي تهدي الممارسة الواقعية بما في ذلك توجه صياغة التشريع الناظم لهذه الشراكة. ورغم ذلك يتم صياغة قانون هذه الشراكة الذي سيحدد القواعد التشريعية التفصيلية التطبيقية لهذه الشراكة. من حيث الوصف الموضوعي فإن الشراكة بين القطاعين العام والخاص هي تعبير ملطف لأحد أوجه الخصخصة وإحلال شامل أو جزئي للقطاع الخاص محل القطاع العام أو تشاركهما معاً. وقد يجد البعض في هذا الإحلال والتشارك شراً مستطيراً بينما يجده البعض الآخر ضرورة لا يمكن تجنبها ويمكن أن يقدم فائدة إن درس ونفذ بعناية. وفريق ثالث يجد فيه الترياق حتى لو كان الدواء في العراق. أما في الواقع وبحسب الممكن فإن الشراكة بين القطاعين العام والخاص يمكن أن ينطبق عليها أي من هذه التعريفات الثلاث. وهذا يتوقف على ترجمتها الفعلية في أرض الواقع. ونعتقد أنه يمكن اعتماد مبدأ للقياس يعتمد على المنافع الفعلية المتوازنة التي تخلقها مثل هذه الشراكة. فإذا أدت التشاركية لاستثمار أصل حكومي أو عام كان سيضيع بدونها وخلقت فرص عمل ووردت إيرادات لخزينة الدولة كأرباح وضرائب إلى جانب منافعها للمستثمر الخاص فهي مفيدة. أما إذا كانت مجرد تحويل للملكية وعائداتها من يد الدولة إلى يد القطاع الخاص مع تقديم المزايا والضمانات بدون مساهمة فعلية كما ذكرنا أعلاه فهي شر مستطير. طبعاً لن ندخل في منافسة رجال الأعمال وصراعاتهم ومن سيفوز منهم بالصفقة فهذه قصة أخرى. بالطبع تحتاج الشراكة بين القطاعين العام والخاص إلى أسس عامة توضع في قانون يتم الآن العمل على صياغته، كما ذكرنا أعلاه، دون أن تضع الدولة الأسس العامة لهذا التشارك ضمن وثيقة وطنية مقرة للإصلاح. وتتم صياغة القانون من قبل جهاز حكومي تنفيذي دون أن تطرح مسودة القانون على النقاش العام، رغم أنها مسألة سياسة بامتياز إضافة لكونها اقتصادية وهي الأكثر إثارة للجدل. وإضافة إلى الحاجة للسياسة الواضحة والقانون الجيد الذي يعكس هذه السياسة فإن الشراكة تحتاج إلى فريق كفء من الخبراء يضع الدليل التطبيقي القانوني والمالي والإداري للتقييم ويضع الصيغ التنفيذية الجزئية للتشارك التي تحفظ حقوق الدولة والخزينة والمجتمع وتراقب التطبيق. وتتوقف فوائد الشراكة المتوازنة على هذا الفريق إلى حد بعيد، فليس ثمة أكثر من أشكال التلاعب، والمتلاعبون اذكياء. والمسألة الأخرى التي تحتاج لانتباه واهتمام هي الفساد الذي يرافق عادة تنفيذ مثل هذه السياسات. وتجارب دول العالم مليئة بالقصص المرعبة. ففي مصر مثلاً، ونحن نشبهها إلى حد بعيد، بلغت قيمة الشركات العامة المخصخصة نحو 200 مليار جنيه مصري بينما حصلت الدولة المصرية على 17 ملياراً فقط. من الملاحظ أن ثمة اتفاقاً بين القطاعات التي تطرحها الدولة للشراكة مع القطاع الخاص وبين القطاعات التي يرغبها القطاع الخاص، وهي بناء محطات توليد الكهرباء وتوسيع طاقات مصانع الإسمنت والسياحة (استثمار بناء قديم أو أرض في موقع سياحي) وتطوير مصفاة النفط وبناء واستثمار طرق دولية أو ميترو أو قاعة مطار جديدة أو محطات الحاويات الخ بينما القطاعات الأخرى غير مرغوبة وغير مطروحة رغم أهميتها مثل الزراعة والصناعات الغذائية والصناعات النسيجية وما شابهها. ولأهمية الحوار حول هذه الشراكة سأقدم بعض الأمثلة العملية لتوضيح بعض الجوانب: مثال 1) إذا امتلكت أمانة العاصمة بدمشق أو بلدية حلب أو غيرها قطعة أرض في منطقة مركزية. ثم جاء مستثمر ليتشارك مع الدولة ويقيم عليها منشأة سياحية بحيث تملك الدولة نسبة بين الربع والثلث مثلاً بحسب المنطقة مقابل الأرض بينما أقام المستثمر كامل المنشأة، وهذا سيؤدي لتشغيل بضع مئات من العاملين برواتب أفضل من رواتب الدولة ويقدم خدمة أفضل مما تستطيعه الدولة وبنفس الوقت تبقى الدولة مالكة لنسبتها وتتقاضى نسبة من الأرباح السنوية فمثل هذه الشراكة مفيدة. أما إذا قام الشريك الخاص بالتلاعب بالدفاتر واستولى على الربح وادعى أن المنشأة لا تربح سوى القليل، وهذا يحدث فعلاً، فإن التشاركية ستكون خاسرة. ويوجد عدد من الأمثلة الواقعية السيئة على ذلك في قطاعات النقل والسياحة والزراعة. مثال 2) إذا جاء مستثمر وأقام محطة كهربائية بدلاً عن الدولة وقام بالإنفاق الكامل عليها وقدمت له الدولة ضمانات باستجرار الكهرباء وبضمان تأمين الوقود وضمان دفع قيمة الكهرباء المستجرة، وبالتالي حمت المستثمر من كافة المخاطر دون أن تحصل الدولة على أية نسبة في الملكية ودون أن تحصل على أية نسبة من الأرباح فإن منافع مثل هذه الشراكة، رغم أهمية الاستثمار تبدو غير متوازنة. يمكن تحسين مثل هذه الحالة بأن تقوم احدى الجهات العامة بالمشاركة بنسبة ولو صغيرة في رأس المال وأن تدفع قيمة حصتها من الأسهم وتحصل بالتالي على جزء من الأرباح التي تضمنها فهي شراكة رابحة. وهكذا تؤمن مورداً ثابتاً لخزينة الدولة. وقد بدأت وزارات الدولة بتطبيق هذا التوجه وهو توجه صحيح. ومن جهة أخرى أن تلزم المستثمر بطرح أسهم للاكتتاب العام بنسبة 10 - 20% مثلاً بحيث يمكن للآلاف من صغار المدخرين أن يشتروا أسهماً تدر عليهم دخلاً. مثال 3) المشغل الثالث للخليوي وقد بات قريباً ويمكن أن تعلن مؤسسة الاتصالات أو هيئة الاتصالات بأنها، وإضافة لما سيدفعه المشغل كدفعة أولى إضافة لنسبة من الدخل الشهري لخزينة الدولة لقاء رخصة الامتياز، إضافة لذلك بأنها تريد أن تستثمر نسبة 15% مثلاً في رأس مال المشغل الثالث وأن تسدد قيمة مساهمتها أسوة بالآخرين. وأن تلزم المشغل الثالث بأن يطرح نسبة 15% أخرى مثلاً من أسهم الشركة للاكتتاب العام. مثل هذه الشراكة تؤمن مورداً ثابتاً لخزينة الدولة من جهة وتوزع أرباحاً على الآلاف من صغار المدخرين إضافة لما يحصل عليه المستثمر أو مجموعة المستثمرين الكبار للمشغل الثالث. نفس هذه المبادئ يمكن أن تطبق على المشغلين الآخرين عندما تحول رخصهم من BOT إلى رخصة License. علماً بأن احد المشغلين قد طرح منذ بضع سنوات جزءاً من أسهمه للاكتتاب العام. مثال 4) شركة نسيج حكومية قائمة فيها موجودات ثابتة بقيم كبيرة من مبان ومرافق وأرض وخطوط إنتاج وسيارات وفيها مئات أو آلاف المشتغلين ورغم ذلك هي تخسر لأسباب عديدة ولسنوات كثيرة. فإن قدوم مستثمر له خبرة فيقوم بعقد اتفاق تعاون بحيث تنتج الشركة لصالحه وفق المواصفات التي يريدها ليقوم هو بالتسويق. والأهم أن يقوم هذا المستثمر بعقد اتفاق تعاون وفق أسس واضحة بحيث يضيف خطوط إنتاج جديدة لتطوير المصنع وأن تبقى ملكية الدولة هي الأساس لما يخصها من المصنع فلا تمس، بينما يتولى القطاع الخاص الإدارة فهذا إحياء لأصل يكاد يموت. وقد يكون الاتفاق على مبلغ مقطوع للدولة أفضل تجنباً للدخول في حسابات تفتح الباب لبعضهم للتلاعب والفساد. الفكرة الأهم في موضوع الشراكة بين القطاعين العام والخاص هي الخروج من حصر تعريف القطاع الخاص بالقطاع الرأسمالي الكبير. فالقطاع التعاوني هو قطاع خاص أيضاً ولكن خاص جماعي أي ملكية خاصة لمجموعة محددة من الأشخاص. وبالتالي يمكن قيام شراكات بين الوزارة أو المحافظة أو البلدية من جهة وجمعية تعاونية أو شركة تعاونية من جهة أخرى. وأدعو الحكومة هنا لإصدار تشريع بالشركات التعاونية وبالقطاع التعاوني ودوره للقيام بعمل ما مثل استثمار مرفق سياحي أو تشكيل شركة جمع القمامة وغيرها. الفكرة الأخرى أنه يمكن اعتبار تعهيد الشركات لإداراتها وللعاملين فيها هو شراكة بين العام والخاص. أي أن تبقى الشركة ملكية للدولة لا تمس ولكن يبرم اتفاق بين الوزارة وبين العاملين في الشركة بنفس موجوداتها، وأن تؤخذ مؤشرات الإنتاج والتكاليف والربح والخسارة لمتوسط السنوات الثلاث الأخيرة وتعتبر هي الحد الأدنى الذي لا تستحق عنه إدارة الشركة أية تعويضات تزيد عما كانت تتلقاه خلال السنوات الثلاث الأخيرة. ثم أن تعطى نسبة مجزية (5 أو 10% وربما أكثر) من الأرباح التي تتحقق زيادة عما حققته الشركة خلال السنوات الثلاث الأخيرة وأن توزع على جميع العاملين في الشركة وفق نقاط تثقيل تقوم على مجموعة من المؤشرات حيث يوضع لها نظام خاص لذلك دون أن توضع سقوف لمبالغها. ويتطلب تحقيق ذلك منح صلاحيات ومرونة ومشاركة أوسع للعاملين في قرارات الإدارة. وأن توضع خطة تقوم على التزامات تبدأ من الأسفل نحو الأعلى الخ. وفي حال فشل الشركة في تحقيق النتائج التي وعدت بها للسنة الثانية على التوالي تعزل الإدارة وتوضع إدارة جديدة للشركة تشمل ليس المدير العام وحده بل مجلس الإدارة والمدراء المركزيين بحيث يستبدلون بمساعديهم أو بغيرهم. يمكن تقديم أمثلة كثيرة عن أشكال مختلفة من الشراكات النافعة بين القطاعين العام والخاص. ولكن يوجد الكثير من الشراكات غير المتوازنة التي تفرط بحقوق الدولة والخزينة والمجتمع وتخلق مخاطر على الاستقرار. وهي تحتاج لكادر كفء ونزيه لتصميمها وإبرام اتفاقاتها ومراقبة تطبيقها. لذلك نعتقد أن الأسس العامة لهذه الشراكة يجب أن تناقش علناً وعلى نطاق واسع وهذا لا يحصل حتى الآن. |
|