تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


تواطــــؤ جماعي..

الثلاثاء 5-11-2013
سعد القاسم

على الجانب الأيمن للمعهد العالي للفنون المسرحية يقوم المسرح المكشوف مستنداً إلى جدار المعهد ومفتوحاً باتجاه دار الأوبرا، حيث تشكل الحديقة الفاصلة بين المبنيين خلفية له، ومدخلاً إليه..

في أحد العروض التي أقيمت على هذا المسرح، قلب المخرج الحال فوضع مقاعد المتفرجين من جهة الجدار، وجعل خشبة المسرح الافتراضية من جهة مبنى الدار، فصار على الحضور أن يتجاوز الواجهة الأساسية لمبنى المعهد ماراً بجوار الجدار الغربي، ثم ينعطف إلى اليسار،بدل أن يجد نفسه منذ البداية في مواجهة المكان المخصص له كما كان الأمر سابقاً، ولأن الأمر صار كذلك صارت مقاعد الحضور المختفية وراء جزء من المبنى أشبه بالمفاجأة، وبالتالي صارت تبحث عنها عيون القادمين للظفر بمكان يجلسون فيه..‏

لكن مفاجأة حقيقية كانت بانتظار القادمين تتمثل ببحيرة ضئيلة العمق تلي الممر الجديد ولا يفصلها عن مدخل مقاعد المتفرجين سوى مسافة صغيرة ضيقة، ولأن هؤلاء الأخيرين كانت عيونهم منشغلة في البحث عن أماكن جلوسهم فإن معظمهم لم ينتبه إلى البحيرة التي تعترض طريقهم، وتلزمهم بالالتفاف حولها، فغاصت أقدامهم في مياهها الضحلة.. حصل هذا مع أول القادمين.. فكيف تتوقعون  ما كان عليه سلوكهم مع من تلاهم إلى (الفخ)  ؟..‏

خلافاً لما هو متوقع، أو معتاد، لم يقم أي من الحضور بتنبيه أي من القادمين الجدد إلى (الخطر الكامن)، بل على العكس من ذلك تماماً جلسوا يراقبون بشغف ردة فعل كل واحد منهم وكأنهم في برنامج حي للكاميرا الخفية. وبالنسبة للقادمين ظل الأمر على الحال ذاته، كل واحد يجول بنظره بين المقاعد دون أن ينظر إلى المكان الذي سيضع قدمه فيه، والنتيجة أن قدميه سرعان ما ستغوص في الماء محاطة بأصوات الضحكات القادمة من مشاهدين شغوفين مر معظمهم بالتجربة ذاتها قبل دقائق قليلة. والغريب في الأمر أن الجميع تصرفوا وكأن ثمة اتفاق غير معلن بينهم، لم يخرقه أحد ولو لمرة واحدة، وفيما بعد تراوحت تبريراتهم بين القول أن الأمر لا يعدو عن كونه حادثاً صغيراً طريفاً وغير مؤذٍ، وبين من كان أكثر صراحة فاتكل على القول الشهير (ما حدا أحسن من حدا).. وكما غصت أنا في الماء فليغص الآخرون.. أما الأكثر جدية ورصانة فبرروا عدم تنبيههم لوجود البحيرة أنهم أرادوا معرفة ردود الفعل المختلفة لأشخاص مختلفين حين يتعرضون للموقف ذاته.. وفي الواقع أن هؤلاء الأشخاص المختلفين قدموا مادة بحثية هامة، فقسم منهم سيطر عليهم ارتباك عظيم وكأنهم غاصوا في لج عظيم، لا في بحيرة لا يتعدى ارتفاع الماء فيها بضعة سنتيمترات، وقسم آخر بدا أن أكثر ما أزعجه تضرر (برستيجه) أمام الآخرين فلم يعد يعرف كيف يتصرف. وقسم ثالث كانت ردة فعله بحجم الحدث فاكتفى بالخروج من البحيرة ونفض الماء عن ثيابه، ثم الجلوس إلى مقعده وكأن شيئاً لم يكن..فقط شابة واحدة دخلت الحالة بكامل تفاصيلها، فطوحت يديها في الهواء بمرحٍ وشاركت الآخرين ضحكهم..‏

سبقت الحادثة بكامل تفاصيلها العرض المسرحي، والطريف أنه بعد مرور بضع سنوات عليها يذكر من حضرها تفاصيلها، وينسون قبل أي عرض مسرحي حصلت..‏

ويختلفون في تفسير سبب ذلك الاتفاق الضمني الذي منعهم من تنبيه بعضهم إلى مأزق صغير..‏

WWW.facebook.com/saad.alkassem‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية