تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


المبدأ الغفاري ..

أبجــــد هـــوز
الخميس 11-3-2010م
فواز خيو

يستحق أبو ذر الغفاري أن نكرّمه ونطلق على أفكاره لقب المبدأ الغفاري .

كان أبو ذر الغفاري شيخاً جليلاً زاهداً ، وفوق ذلك كان لا يطيق الخطأ والميل .‏

اعتاد أبو ذر حين يمر من أمام جاره أن يلقي التحية عليه . وذات مرة كان هذا الجار يضع طبقة من الطين على سور داره ، ومر أبو ذر من أمامه ولم يسلّم عليه . تضايق الجار وغضب وقال في نفسه : ترى لماذا لم يسلم عليّ الشيخ ؟ هل أزعجته ؟ عزّ عليه كثيراً أن يمر الشيخ من أمامه ولم يسلّم عليه . فترك عمله ولحق به وقال له : يا شيخنا لماذا لم تسلم عليّ ؟ هل أزعجتك بشيء لا سمح الله ؟ قال له أبو ذر : إنك تضع طبقة إضافية من الطين على سور دارك ، والأولى أن تقبع الطبقة المهترئة وتضع بدلاً عنها . فقال الجار : وما يزعجك في هذا يا شيخنا ؟ فقال أبو ذر : إنك أخذت بهذا جزءاً من الفضاء العام أو من الشارع وهذا ليس حقاً لك ؟‏

بالتأكيد هذا الجزء البسيط الذي أخذه الجار من الملك العام لا يهدد الشارع . لكن من حيث المبدأ فإن التعدي على المال العام يبدأ بشيء طفيف وتزداد الجرأة شيئاً فشيئاً ويصبح الملك العام أو المال العام مشاعاً لمن يستمرئ التعدي وهكذا .‏

كان أبو ذر ينتقد بقسوة الفساد و الممارسات التي تستهين بالمال العام . كانوا يرسلونه من المدينة إلى الشام ليستريحوا منه . وبعد مدة يضيق به معاوية ( والي الشام ) ، فيعيده إليهم ، ثم يبعدونه إلى بغداد ، وفي بغداد يبعدونه إلى أي منطقة نائية .‏

قال له الرسول الكريم مرة : تولد وحيداً وتعيش وحيداً وتموت وحيداً . وفعلاً هكذا صار . وقال عنه الرسول الكريم مرة : ما أقلّت الغبراء ولا أظلّت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر .‏

كان حتى أعداؤه يثقون به ويستدعونه للشهادة في قضية كان شاهداً عليها .‏

منذ ذلك الوقت وإلى الآن لم تتغير الأمور كثيراً بل زاد التعدي على المال العام وصرنا نشهد ابتكارات كثيرة في هذا المجال ، والفساد يلبس أثواباً مبهرجة . والأهم أن الرجل الصادق والذي يحارب الفساد ما زال يولد وحيداً ويعيش وحيداً ويموت وحيدا .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية